للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأن يستطيع وقتئذ أن يتكلم وهو آمن فقال: "إني أفارق الحياة مسروراً ولما سأله بعضهم: أنى تذهب؟ أجاب "إلى حيث يذهب جميع الخلائق الهالكين". ويبذل أصدقاؤه آخر جهودهم ليقنعوه بأن يتناول بعض الطعام، ولكنه أنى وفضل الموت (١٥٢٥) (٥٧). وأمر الكردنال جندساجا الذي كان تلميذاً له أن تنقل رفاته إلى مانتوا وأن توارى في ثراها، وأقام فيها تمثالا تخليدا لذكراه، وجرى في هذا على سنة التسامح التي تسود عصر النهضة.

ولقد عمد بمبونتسي إلى التشكك الذي ظل قرنين كاملين يحطم أسس العقائد المسيحية فصاغه في صورة فلسفية. واجتمعت عوامل كثيرة لتجعل الطبقات الوسطى والعليا في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر "أكثر الشعوب الأوربية تشككاً" (٥٨)، نذكر منها إخفاق الحروب الصليبية؛ انتشار الأفكار الإسلامية في العالم الغربي بتأثير الحروب الصليبية، والتجارة، والفلسفة العربية؛ وانتقال البابوية إلى أفنيون، وانقسامها السخيف على نفسها في عهد الانشقاق الكبير؛ وتكشف عالم وثني يوناني- روماني مليء بالحكماء والفن العظيم رغم خلوه من الكتاب المقدس ومن الكنيسة؛ وانتشار التعليم وتحرره المتزايد من السيطرة الكهنوتية؛ وفساد أخلاق رجال الدين ومنهم البابوات أنفسهم وانهماكهم في شؤون الدنيا مما يوحي بعدم إيمانهم بما يجهرون به من عقائد؛ واستخدامهم فكرة المطهر لجمع المال لأغراضهم الخاصة، ومعارضة طبقات التجار وأصحاب المال الناشئة لسيطرة رجال الكنيسة؛ وتحول الكنيسة من منظمة دينية إلى سلطة دنيوية سياسية، هذه العوامل كلها وكثير غيرها هي التي أدت إلى النتيجة السالفة الذكر.

ويتضح من شعر بولتيان وبلتشي Pulci وفلسفة فتشينو Ficino، أن لوندرسو والملتفين حوله لم يكونوا يؤمنون إيماناً حقاً بحياة في الدار الآخرة؛