بأكملها، وجرد أحد الضحايا من ثيابه وشنق ووضعت شعلة متقدة بين عجيزتيه؛ فما كان من الجماهير المرحة المبتهجة إلا أن أطلقت عليه اسم الملوط (٧٦). وانتشرت قصص العنف، والقسوة، والشهوات انتشار الخرافات؛ حتى لقد كان بلاط فيرارا الذي يزدان بالشعر والأدب تروعه جرائم الأمراء وما يوقعه الملوك من ضروب العقاب. وكان تحلل الحكام المستبدين أمثال آل فسكنتي ومالاتسنا أنموذجاً ينسج على منواله ذوو العنف الهواة من أفراد الشعب، وحافزاً لهم على تقليده.
وتدهورت المبادئ الأخلاقية الحربية على مر الزمن. فقد كانت المعارك كلها تقريباً في بواكير عهد النهضة لا تزيد على اشتباكات غير ذي بال بين جنود مرتزقة يحاربون في غير عنف شديد، ويعرفون متى يقفون للقتال، وكان النصر ينال إذا ما سقط في حومة الوغى عدد قليل من الرجال، وكان السجين الحي الذي يستطاع فداؤه أعظم قيمة من العدو الميت. ولما ازدادت قيمة الزعماء المغامرين المأجورين، وكبرت الجيوش وتطلبت نفقات ضخمة، سمح للجنود بأن ينهبوا المدن المفتوحة بدل أن تؤدى اليهم أجور منتظمة؛ وكانت مقاومة النهب تؤدي إلى المذابح التي يهلك فيها العدد الجم من السكان؛ وكانت وحشية الجنود الفاتحين تزداد حينما يشمون رائحة الدم المسفوك. ومع هذا كله فقد كانت قسوة الإيطاليين في الحرب أقل من قسوة الغزاة الأسبان والفرنسيين. مثال ذلك أنه حين استولى الفرنسيون على كابوا في عام ١٥٠١ أوقعوا بأهلها مذبحة، شنيعة سقط كثير من النساء حتى اللاتي كرسن أنفسهن لعبادة الله … ضحية لشهواتهم أو شرهم، وبيع كثير من أولئك المخلوقات البائسات في روما بعدئذ بأنجس الأثمان" (٧٧) كما يقول جوتشيارديني. وغير خاف أنهن بعن للمسيحيين. وزاد استرقاق أسرى الحرب كلما تقدمت أساليبها في عصر النهضة.
ولسنا ننكر أنه كان ثمة أمثلة من الولاء الجميل بين الإنسان والإنسان،