وبين المواطن والدولة؛ ولكن ازدياد المقدرة على المكر والدهاء زاد من قدر الغش والخداع. فكان القواد يبيعون أنفسهم لمن يؤدي إليهم أعظم الأثمان، فإذا ما احتدم القتال أخذوا يفاوضون العدو للحصول على أثمان أكبر من التي اشتروا بها. كذلك كانت الحكومات تبدل موقعها في أثناء الحرب فيصبح الحلفاء أعداء بجرة قلم. وكان الأمراء والبابوات يغدرون بمن أمنوهم على أنفسهم من القادمين إلى بلادهم والخارجين منها (٧٨)، والحكومات توافق على اغتيال أعدائها سراً في الدول الأخرى (٧٩). وكان الخونة يوجدون في كل مدينة وفي كل معسكر: ومن أمثلة هؤلاء بيرنر دينو دل كورتى Bernardino del Corte الذي باع قلعة لدفيكو لفرنسا؛ والسويسريون والإيطاليون الذين غدروا بلدفيكو وباعوه للفرنسيين؛ وفرانتشيسكو ماريا دلا روفيري الذي منع جنوده من أن يخفوا لنجدة البابا في عام ١٥١٧، ومالاتستا بجليوني الذي باع فلورنس في عام ١٥٣٠ … ولما ضعفت العقيدة الدينية حلت محل فكرة الحق والباطل في كثير من العقول فكرة النافع وغير النافع من الوجهة العلمية؛ وإذا كانت الحكومات في العادة قصيرة الأجل لا تصبح ذات سلطان شرعي بطول الزمن، فقد ضعفت عند الناس عادة إطاعة القانون، وكان لابد من أن تحل القوة في هذا محل العادة؛ ولم يكن ثمة طريق للخلاص من استبداد الحكومات إلا قتل المستبدين.
وعم الفساد كل فرع من فروع الإدارات الحكومية. ففي سينا مثلا كان لابد من وضع الإدارة المالية في آخر الأمر في أيدي راهب اشتهر بالتقى والورع لأن كل إنسان آخر قد اختلس مال المدينة. وساءت سمعة المحاكم كلها عدا محاكم البندقية لكثرة ما كان فيها من الفساد والرشوة. وتروى قصة من قصص ساكشتي Sacchetti أن قاضياً ارتشى بثور ولكن خصم الراشي بعث إلى هذا القاضي نفسه بقرة وعجلا فحكم