يعمل بسرعة، ويضع الألوان في غير إتقان كأنها تشاهد من تحتها بعشرين قدماً. وكانت الصور أشهر ما صوره رجل بمفرده في تاريخ البندقية كله، وجاء الفنانون فيما بعد ليدرسوها كما ذهب الطلاب إلى فلورنس ليدرسوا رسوم ماساتشيو. وأثر المطر والرطوبة في الصور على مر السنين. ولكنها لا تزال تبعث في النفس الروعة بحجمها وقوتها؛ وقد كتب عنها رسكن قبل وقتنا هذا بمائة عام يقول:"وقد أنزلت هذه الصور منذ عشرين أو ثلاثين عاماً لإصلاحها وإعادتها إلى ما كانت عليه، ولكن الرجل الذي عهد هذا العمل إليه مات لحسن الحظ ولم تتلف إلا واحدة منها"(٢٩).
وقد روى نتورتو في هذا المتحف المدهش القصة المسيحية مرة أخرى؛ ولكنها لم تكن قد رسمت من قبل بهذه الواقعية الجريئة التي انتزعت الحوادث من عالم العواطف المثالية ووضعتها في هذه البيئة الطبيعية، ولهذا بدا أن هذه القصة قد استحالت تاريخاً من أعظم التواريخ صدقاً وأبعدها عن الشك. وكان الشرر الذي أوقد النار في قلب نتورتو هو قدرته على النظر، وأن يلاحظ كل دقائق المنظر، وأن يحس بأن هذه الدقائق تهب الحياة، وأن بادر بوضعها على الجدار بضربة أو ضربتين من الفرشاة- كالماء الذي يراه الناظر من خلال جذور الغار في صورة مجلية. وخصص نتورتو الطابق الأسفل من الحجرات لصور مريم العذراء: فصور فيها دهشتها الذليلة من البشارة، ورشاقتها المتواضعة عند الزيارة، ورهبتها الساذجة عندما قدمت لها الهداية الشرقية في عبادة المجوس، وسيرها البطيء على ظهر حمار مجتازة منظراً هادئاً في صور الهروب إلى مصر فراراً من "مذبحة البريئين"، وهي أقوى صورة في هذه المجموعة. وروى نتورتو على جدران الحجرة العليا الكبرى حوادث في تاريخ المسيح نفسه: تعميده بيد يوحنا، ومحاولة الشيطان إغواءه، والمعجزات والعشاء الأخير. وكانت هذه الصورة الأخيرة واقعية بعيدة كل البعد عن العرف المألوف إلى حد جعل رسكن يصفها بأنها "أسوأ