التي لم ترهبها الحرائق والحروب؛ ولا الأتراك والبرتغاليون. وقد رسم باولو ومساعدوه في قاعة الاجتماع Sala del Collegio على السقف المحفور المذهب إحدى عشرة صورة رمزية غاية في الرشاقة- للوداعة وحمَلها … والجدل ينظر من خلال نسيج عنكبوت من صنعه … والبندقية في صورة ملكة مرتدية فرو القاقوم الثمين، وأسد القديس مرقص راقد في هدوء عند قدميها يتلقى التكريم من العدالة والسلام. وفي إطار بيضي الشكل عظيم الشأن في سقف قاعة المجلس الكبير Sala del Maggior Consiglio رسم صورة انتصار البندقية مثل فيها المدينة العظيمة التي لا تضارعها مدينة سواها بإلهة متربعة على عشرها بين الأرباب الوثنيين، تتلقى تاج المجد يهبط عليها من السماء؛ وعند قدميها كبار أعيان المدينة وكرائم سيداتها، وبعض المغاربة يؤدون الجزية؛ ومن تحت هؤلاء كلهم محاربون يقفزون استعداداً للدفاع عنها، وخدم يمسكون بكلاب الصيد من مقودها. تلك أعظم صورة صورها فيرونيزي.
واختير في عام ١٥٨٦ لينشئ بدل مظلمات جوارينتو Guariento الحائلة اللون صورة تتويج العذراء في قاعة المجلس الكبير نفسها. وقدم الرسم التمهيدي وقبل، وبينما هو يستعد لرسم الصورة على القماش إذ انتابته الحمى؛ وروعت البندقية حين ترامى إليها النبأ بأن مصور مجدها الذي لا يزال في عنفوان الشباب توفي في أبريل من عام ١٥٨٨. وطلب آباء كنيسة سان سباستيانو أن تدفق جثته في كنيستهم، وفعلاً دفن باولو في هذه الكنيسة أسفل الصور التي جعلت منها موطناً لفنه الديني.
ولقد قلب الدهر حكم معاصريه ووضعه في المرتبة الثانية بعد معاصره القوي تنتورتو. ونحن نظرنا إليه من حيث أصول الفن وجدناه يفوق تنتورتو؛ فقد بلغ في التنفيذ، والتأليف، والتلوين أعلى درجة بلغها فن البندقية. ولسنا نجد صوره المزدحمة مضطربة مهوشة، بل نرى حوادثه ومناظره