للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهما، وما لبث أن أنقص مقادير طعامه وشرابه إلى اثنتي عشرة أوقية من الطعام وأربع عشرة من النبيذ. ويقول لنا إنه لم تمض على ذلك سنة واحدة حتى "وجدت أنني قد شفيت شفاء تاماً من جميع أمراضي … وتحسنت صحتي تحسناً تاما، وبقيت كذلك من ذلك الوقت إلى الآن" (٢٠). أي إلى سن الثالثة والثمانين. وقد وجد كذلك أن هذا النظام وذاك الاعتدال في العادات الجسمية يخلقان نظائر لهما في الصفات والصحة العقلية، "فقد بقي مخه صافياً على الدوام، … " وفارقته "الكآبة، والكراهية، وغيرهما من الانفعالات". وحتى حاسة الجمال نفسها قد قويت لديه، وبدت له جميع الأشياء الجميلة أبدع مما كانت في أي وقت من الأوقات الماضية.

وقضى في بدوا شيخوخة هادئة ناعمة، قام فيها بأعمال عامة وأغدق عليها المال، وكتب وهو في سن الثالثة والثمانين سيرته الذاتية المسماة Discorsi della cita sobria. وقد صوره لنا تنتورتو في صورة لطيفة: نراه فيها أصلع الرأس ولكنه متورد الوجه، صافي العينين نفاذهما، ذا تجاعيد في وجهه تنم عن حب الخير، ولحية بيضاء قلل من شعرها مر السنين، ويدين لا تزالان تكشفان عن شباب أرستقراطي، وإن كان قد قرب من الموت. وإن تجاوزه سن الثمانين ليبعث فينا الشجاعة حين تراه يسخر من الذين يظنون أن الحياة بعد السبعين ليست إلا تأجيلا للموت وأنها حياة سقم تافهة لا معنى لها:

ألا فليأتوا وينظروا، إلى صحتي الجيدة، ويعجبوا كيف أمتطي صورة الجواد دون مساعدة، وكيف أصد الدرج مهرولا والتل مسرعاً، وليروا ابتهاجي، ومرحي، ورضائي، وتحرري من الهم والأفكار غير السارة، ان الطمأنينة والبهجة لا تفارقني أبداً … وكل حواسي (بحمد الله!) على أحسن حال بما فيها حاسة الذوق؛ ذلك إني أستمتع بالطعام البسيط الذي أتناوله باعتدال أكثر من استمتاعي بشهي الطعام الذي كنت أطعمه في