مفلس محتاج، فلا أقل من أن أهبه من الخير "ما يفي بحاجته"(٤٤).
واستمر بولس الثالث يرعى كلمنت؛ وينقل لنا تشيليني عن بولس، ولعله يبالغ في هذا النقل مبالغة يدخل بها الشرور على قلبه، أنه قال لشخص يلومه على لينه مع الفنان وعدم أخذه بالشدة "اعلم إذن أن أمثال بينفينوتو من الرجال الأفذاذ في عملهم أناس فوق القانون، فما بالك إذن بشخص استثير إلى الحد الذي سمعت به"(٤٥). ولكن بييرلويجي Pierluigi بن لول، وهو رجل لا يقل سفالة أو استهتاراً عن بنيفينوتو نفسه، أوغر صدر البابا على الفنان؛ ولم تكف فنون تشيليني نفسها للتغلب على نفوذ بييرلويجي هذا، فما كان من الفنان إلا أن غادر مرسمه في روما وولى وجهة نحو فرنسا، لكن بمبو اعترضه في طريقه عند بدوا وأكرمه، فرسم له صورة صغيرة أجازه عليها بثلاثة جياد له ولزميلين كانا معه، فامتطيا صهوتها، ونزلا من فوق الجريزون Grison واجتازا زيورخ، ولوزان، وجنيفا، وليون حتى وصلا باريس، وفيها ايضاً وجد بنيفينوتو له أعداء. ذلك أن جيوفني ده رسى، أحد الرسامين الفلورنسيين، لم يكن يريد أن يزيد عدد من ينافسونه في الحصول على رفد الملك، فأثار الصعاب في وجه القادم الجديد؛ ولما أن اتصل بتشيليني آخر الأمر وجده قد تورط في حرب يصعب عليه الخلاص منها. وانتابه المرض واشتد به الحنين إلى بلده، فتسلق جبال الألب مرة أخرى، وحج إلى لوريتو Loreto، وعبر جبال الأبنين إلى روما، وما كان أشد غضبه حين وجد أن بيرلويجي يتهمه بسرقة جواهر البابا، فألقى به في نفس الحصن الذي ساعد هو على إنقاذه، وعانى فيه مرارة السجن عدة أشهر، ثم استطاع الفرار منه، ولكن ساقه كسرت في أثناء هذه المحاولة؛ فقبض عليه، وألقي في جب تحت الأرض قضى فيه عامين، ثم أطلق سراحه بناء على طلب فرانسس؛ وألح عليه الملك بأن يسافر إلى فرنسا ليقوم فيها ببعض المهام، فتسلق جبال الألب مرة أخرى (١٥٤٠).