والتاريخ معنى أو قيمة لا يقضي عليها الموت أو الزمن المهلك المبيد لكل شيء. ومن أجل هذا أجل هذا يؤثر الناس العقيدة غير القائمة على العقل والبحث الصحيح على الإحجام والتوكل العقلي، ذلك أنهم يملون التفكير المحير، والحكم غير القاطع، فيرحبون بقيادة دين ذي سلطان على نفوسهم، وبأن يتطهروا من الخطايا بالاعتراف بذنوبهم، وبالإيمان بدين ثابت قديم. وهم حين يستحون من الإخفاق، ويثكلون من يحبون، وتظلم نفوسهم لما اقترفوا من ذنوب، ويرهبون الموت يحسون بأنهم إذا لقوا العون من الله تطهروا من الذنب والجريمة، وفارقهم الرعب، واطمأنوا وامتلأت قلوبهم بالأمل، وسموا إلى أسمى المنازل وكان مآلهم الخلود.
والدين في أثناء هذا يهب المجتمع والدولة هبات مستورة تسري في جميع أجزائهما، فطقوسه يهدئ النفس وتوثق الرابطة بين الأجيال، فالكنيسة الابرشية تصبح بمثابة بيت عام تؤلف من الأفراد جماعة، وترفع الكتدرائية ر أسها تعلن في فخر وازدهاء أنها من عمل البلدة موحدة، وتزدان الحياة بالفنون المقدسة وتصب الموسيقى الدينية نغماتها المهدئة في نفس الفرد والجماعة. ويعرض الدين رضاءه وتأييده السماوي للقانون الأخلاقي الذي تنفر منه فطرتنا ولكنه مع ذلك لا غنى عنه للحضارة. ويعرض على عقول البشر ربا سمعياً وبصرياً ويهددهم بالعقاب السرمدي ويعدهم بالنعيم الدائم ويصدر إليهم أوامر ليست من سلطة بشرية مزعزعة بل صادرة عن قوة إلهية لا سبيل إلى عصيانها وإذا كانت غرائزنا قد تكونت خلال ألف قرن من الزمان وكان الأمن فيها مزعزعاً مضطرباً يطارد فيها الإنسان الحيوان ويطارده، فإنها قد جعلتنا صائدين أشداء وديننا العنف وطبيعتنا تعدد الأزواج بدل أن تجعلنا مواطنين مسالمين. وإذا كان ذلك العنف القديم الذي استلزمته حياتنا الأولى يزيد على ما تحتاجه حياتنا الاجتماعية فإن غرائزنا يجب أن تُفرض عليها مئات من القيود كل يوم على علم منا أو غير علم