فلما انتهت مناقشاتهم انتدبوا "متكلما" ليبلغ المجلس الأعلى ما وصلوا إليه من نتائج، وليعرضوا ملتمساتهم على الملك. ولما انتهت دورة الانعقاد اجتمع المجلسان مرة أخرى ليستمعا إلى رد الملك وليعلنا انفضاض الدورة وكان للملك وحده حق دعوة البرلمان إلى الاجتماع وفض دورة اجتماعاته. وكان كلا المجلسين يطالب لنفسه بحرية المناقشة ويستمتع بها في الأحوال العادية. وكانا في كثير من الأحوال يرفعان إلى الحاكم ما يستقر عليه رأيهما بعبارات قوية منطوقة أو مكتوبة، غير أن الحاكم في كثير من الأحوال كان يأمر بسجن من يشتط في نقده. وكانت سلطات البرلمان تشمل من الوجهة النظرية شؤون التشريع، أما من الوجهة العملية فكان وزراء الملك هم الذين يعرضون على البرلمان مشروعات القوانين التي يقرها، غير أن المجلسين كثيراً ما كانا يقدمان توصيات وشكاوى ويؤخرون الاقتراع على الأموال المطلوبة حتى تستجاب رغباتهم كلها أو بعضها. وكانت "قوة المال" هذه هي كل ما في أيدي "العموم" من سلاح، ولكن سلطتهم هذه زاد شأنها حين زادت نفقات الإدارة وثروة المدن. فلم تكن الملكية والحالة هذه ملكية مطلقة أو دستورية فالملك مثلاً لم يكن يستطيع تغيير سنة البرلمان أو سن قانون جديد بنفسه علناً وبطريقة مباشرة، ولكنه كان خلال معظم العام يحكم دون أن يقيده البرلمان ويصدر قرارات تنفيذية لها أثرها في كل ناحية من نواحي الحياة الإنجليزية. ولم يكن يرقى العرش عن طريق الانتخاب بل عن طريق الوراثة. وكانت ذاته تُعد ذاتاً مقدسة ترعاها الحرمات الدينية، وكانت جميع قوى الدين والعادات والقانون والتربية واليمين التي تتلى عند تتويجه تبث في النفوس طاعته والولاء له. فإذا لم يكف هذا كان قانون الخيانة العظمى ينص على أن يقبض عليه متهماً بعصيان الدولة يجر في الشوارع إلى المشنقة وتنتزع أحشاؤه وتحرق أمام عينيه ثم يشنق بعدئذ (٢).
ولما بلغ إدوارد الثالث الثامنة عشر من عمره في عام ١٣٣٠ تولى