وبعد أن قطعت في رحلتها أربعمائة وخمسين ميلاً، في أحد عشر يوماً، بلغت الملك ومجلسه. ومع أن حلته البسيطة، لم تكن تنبئ عن أبهة الملك، فقد عرفته جان (كما أنبئنا-وكيف ترفع الأسطورة يدها من تاريخ هذه الفتاة) لفورها، وحيته بأدب قائلة .. "أمدك الله بطول العمر، أيها الدوفان الكريم … إن اسمي جان لا بوسل إن إله السموات يتحدث إليك بواسطتي، وهو يقول إنك سترسم وتتوج في ريمز، وتكون وكيلاً لملك السموات، الذي هو ملك فرنسا". وقال أحد القساوسة وهو الذي أصبح راعي كنيسة العذراء، فيما بعد، إنها أكدت للملك، في مجلس خاص، شرعية مولده. وظن بعضهم، أنها قبلت في أول لقاء لها مع شارل، أن يكون رجال الدين أصحاب الحق في تفسير هواتفها، وأنها اتبعت قيادتهم في حديثها مع الملك، وعن طريقها يحل الأساقفة، محل القادة في صياغة السياسة الملكية. ولما كان شارل ما يزال مرتاباً من أمرها، فقد أرسلها إلى بواتييه ليمتحنها العلماء هناك. فلم يجدوا فيها شراً وكلفوا بعض النسوة أن يتأكدوا من عذريتها، واطمأنوا من هذه الناحية الحساسة أيضاً. لأنهم اعتقدوا أن للعذراى، مثلهن في مثل مريم العذراء بعض المزايا باعتبارهن وسائل الله ومبعوثاته.
وكان دينوا، قد أكد للحامية في أورليان، أن الله سيغيثهم قريباً بشخص ما. فلما سمع عن جان، كان بين مصدق ومكذب لآماله، ورجا البلاط، أن يرسلوها إليه تواً. فوافقوا، وأعطوها حصاناً أسحم وأحاطوها بدرع أبيض، ووضعوا بيدها علماً أبيض، مزيناً بزهرة فرنسا، وأرسلوها إلى دينوا، مزودة بجمع من الحرس، يحملون الزاد للمحصورين. ولم يكن من العسير، أن تجد منفذاً إلى المدينة (٢٩ إبريل عام ١٤٢٩)، فلم يكن الإنجليز، يحدقون بها إحداقاً تاماً، ولكنهم قسموا رجالهم الذين يتراوحون بين ألفين وثلاثة آلاف (أي أقل من حامية أورليان) على اثني عشر