وقد يمثل الأمراء والمطارنة في فن النحت؛ ولا يكون ذلك إلا على قبورهم التي توضع في الكنائس أو للأديرة التي تعد المداخل إلى الجنة وعلى هذا النحو دفنت دونا منسيا أنريكيز، دوقة البوكرك في حدث منقور نقراً جميلاً، وهو الآن موجود في متحف الجمعية الأسبانية في نيويورك، وحفر يابلو أرتيز لكتدرائية طليطلة، تابوتين فخمين لدون الفاروده لونا وزوجته. وصمم جيل ده سيلوى في دير ميرا فلورس الكاثوسي بالقرب من برغشت، مدفناً على الطراز الإيطالي لوالدي الملكة وأخوتها. وبلغ من ابتهاج إيزابلا بهذه المدافن الشهيرة للرفات الملكية إنها عندما علمت بمصرع وصيفها، جوان ده باديلا (الذي كان شجاعاً في استهتار حتى أطلقت عليه "معتوهى" بإصابة في رأسه إبان حصار غرناطة، كلفت ده سيلوى، أن ينقر مدفنا ملكيا لضم رفاته، ونافس جيل مرة أخرى أحسن ما في فن النحت الإيطالي في عصره.
وليس هناك فن أكثر تمييزاً من الفن الاسباني، ومع ذلك فليس بينها ما أسلم للتأثير الأجنبي بخشوع مثله. وخضع أول أمره، بطبيعة الحال، للتأثير الإسلامي، الذي استقر طويلاً في شبه الجزيرة، وإن استمد جذوره من العراق وفارس وأدخلت في الطراز الأيبيرى، دقة في الصناعة، وكلفا بالزينة فلما تضارع في أي بقعة من بقاع العالم المسيحي. أما في الفنون الصغرى، حيث يحتل الزخرف المكان الأكبر، فإن إسبانيا قلدت فيها أساتذتها العرب ولم تتفوق عليهم فيها قط. فترك الخزف بأكمله للمدجنين، الذين لم يضارعهم في لمعان آثارهم سوى الصينيين، والذين زادت قراميدهم الملونة-وبنوع أخص الزلزلي الأزرق-من أبهة الأرضيات والمذابح والنوافير والجدران والسقوف في أسبانيا المسيحية. كما أن الحذق الإسلامي نفسه، قد جعل المنسوجات الإسبانية من المخمل والحرير والمخرم-أدق ما في العالم المسيحي من نوعه. وهذا الحذق يبدو مرة أخرى في المصنوعات الجلدية