ولا يمكن للعقل أن يرى أن الله قادر على كل شئ أو لا حد لقدرته، وعالم بكل شئ أو لطيف أو واحد، كما أن العقل لا يستطيع أن يثبت أن الله ثالث ثلاثة، أو أن الله إنساناً ليكفر عن خطيئة آدم وحواء بعصيانهما أو أن ابن الله في القربان المقدس، ثم إن التوحيد ليس مطابقاً للعقل أكثر من الشرك، وربما يكون هناك أكثر من عالم يحكمها أكثر من إله.
إذن ماذا يبقى من البناء للعقيدة المسيحية؟ أساطيرها الجميلة وأناشيدها وفنها وفي ما نصت عليه من أخلاق من وحي الله أم أملها الحصين؟ وقد تراجع أوكهام أمام هدم العقل للاهوت وفي محاولة يائسة لإنقاذ نظام اجتماعي قائم على شريعة أخلاقية تقوم على عقيدة دفينة رأى التضحية بالعقل على مذبح الإيمان، وربما يكون الله موجوداً على الرغم من أنه لا يمكن إثبات هذا وأنه وهب كلا منا روحا خالدة. ويجب أن نميز، كما أشار ابن رشد ودنس سكوتوس، بين الحقيقة اللاهوتية وبين الحقيقة الفلسفية، وأن نقبل متواضعين في مجال الإيمان ما يرتاب فيه العقل الفخور بنفسه.
وكان من قبيل المبالغة أن تقبل الكنيسة هذه الحاشية الذنبية التي تكرم العقل العملي كفارة لذنب أوكهام لقيامه بنقد العقل المحض. فأمر البابا جون الثاني والعشرين بتكوين مجلس تحقيق من رجال الدين للنظر في "الهرطقات البغيضة" التي اقترفها الراهب الشاب واستدعاه ليمثل أمام المحكمة البابوية في أفينون، وجاء أوكهام، لأننا مجده عام ١٣٢٨ في سجن بابوي هناك، مع راهبين من الفرنشسكان وفر الثلاثة وهربوا إلى إيجسمورتس واستقلوا قارباً صغيراً والتقطتها سفينة أخذتهم إلى لويس ملك بافاربا في بيزا. وحرمهم البابا من غفران الكنيسة بينما أسبغ عليهم الإمبراطور حمايته. واصطحب ويليام لويس إلى ميونخ وانضم هناك إلى مارسيليوس من بادوا وعاش في دير فرنشسكاني مناهض للبابا وأصدر منه سيلا من الكتب والنشرات ضد سلطان وهرطقة البابوات بعامة وجون الثاني والعشرين بخاصة.