رقيقاً من لوثر يؤكد له فيه أن بيع صك الغفران لم يكن غلا مناسبة وليس سبباً للفتنة و "أن المسألة لم تكن قد بدأت من أجل ذلك ولكن أن للموضوع الوليد أبا آخر"(٣١). وفي الثالث من مارس كتب لوثر رسالة إلى البابا يعلن فيها خضوعه التام فرد عليه ليو بروح وديّة (٢٩ مارس) ودعاه للحضور إلى روما ليدلي باعترافه، وعرض عليه مالاً لتغطية نفقات رحلته (٣٢). ومهما يكن من أمر فإن لوثر، في تناقض صريح كان قد كتب إلى سبالاتان في الثالث عشر من مارس:"إني في حيرة لا أدري هل البابا مناهض للمسيح أم أنه رسوله"(٣٣). ورأى أن في هذه الظروف أن من الأسلم له أن يبقى في فيتنبرج.
وهناك كانت الكلية والطلبة والمواطنون يعطفون في الغالب على قضيته، ولقد أسعده بصفة خاصة أن يلقى التأييد من شاب ألمعي، عالم بالإنسانيات واللاهوت، كان قد عينه الأمير المختار عام ١٥١٨ وهو في الحادية والعشرين من عمره لتدريس اللغة اليونانية بالجامعة. وكان فيليب شفارتسرت (الأرض السوداء) قد صبغ اسمه بالهيلينية وغيرّه إلى ميلانكتون على يد عمه العظيم رويخلين، كان رجلاً صغير القامة ضعيف البنية، يعرج في مشيته، وله تقاطيع لطيفة، وحاجبان مرتفعان، وعينان تنمان عن الخجل، وقد أصبح مفكر الاصلاح الديني هذا محبوباً في فيتنبرج إلى حد أن خمسمائة أو ستمائة من الطلبة كانوا يتجمهرون في قاعة محاضرته، بل إن لوثر نفسه الذي وصفه بأنه "ستحلى بكل فضيلة معروفة للإنسان"(٣٤) كان يجلس في تواضع بين تلاميذه. وقال أرازموس:"إن ميلانكتون رجل رقرق الحاشية فحتى أعداؤه يذكرونه بالخير (٣٥).
وكان لوثر يلذ له الصراع بينما كان ميلانكتون يؤثر المسالمة والتراخي، وكان لوثر يؤنبه أحياناً على أنه حليم أكثر مما يجب، إلا أن أنبل جانب للوثر وأشده اعتدالاً قد اتضح في حبه الذي لم ينقطع لرجل يختلف عنه في المزاج والسياسة. "لقد خلقت للحرب والقتال مع الأحزاب والشياطين، ومن هنا فإن كتب عاصفة خليقة بمحارب. لابد أن أجتث جذور جذوع