للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه ضرر دائم، ذلك لأن الإيمان سرعان ما يعود بالخاطئ إلى الصحة الروحية، ووافق من صميم قلبه على فائدة الأعمال الصالحات (١٣٦). غير أن ما أنكره هو فاعليتها في سبيل الخلاص. وقال "إن الأعمال الصالحات لا تخلق رجلاً صالحاً ولكن الرجل الصالح يقوم بأعمال صالحات" (١٣٧). وماذا يجعل الرجل صالحاً؟ الإيمان بالله والمسيح.

وكيف يتأتى لإنسان أن يصل إلى مثل هذا الإيمان الذي ينجيه من عذاب الجحيم؟ إنه لا يصل إليه عن طريق أعماله التي يثاب عليها بل انه منحة يهبها الله، بغض النظر عن هذه الأعمال، إلى مَن يشاء أن ينجيه من عذابه وكما قرر بولس وهو يتذكر قصة فرعون "إن الله يتغمد برحمته مَن يشاء ويحرم منها مَن يشاء" (١٣٨). والله قدّر مَن اصطفاهم للسعادة الأبدية أما الباقون فقد تركهم محرومين من رحمته ملعونين ومخلدين في نار جهنم (١٣٩).

"هذه هي ذروة الإيمان: أن تؤمن بأن الله، الذي ينجي من عذابه قلة من عباده والذي يعاقب الكثرة منهم، غفور رحيم وأنه تعالى عادل، إذ سبق في تقديره أن قضى علينا باللعنة الأبدية لأنه … ويبدو أنه يرضى بتعذيب الأشقياء. وإذا استطعت بأي جهد عقلي أن أدرك كيف يكون الله رحيماً في الوقت الذي يصدر عنه الكثير من الغضب والظلم فلن تكون بي حاجة إلى الإيمان" (١٤٠).

وهكذا نرى أن لوثر في غمرة رد فعله القروسطي (١) ضد كنيسة عصر النهضة التي ارتدت إلى عصر الوثنية ثق عاد لا إلى العقيدة الأوغسطينية فحسب ولكنه عاد إلى الترتوليانية: الإيمان بما لا يصدق، وبدا له أن من الفضيلة أن يؤمن بالقدر لأنه كان بالنسبة للعقل أمراً لا يصدق، ومع ذلك فقد رأى بالمنطق العسير أنه إنما دفع إلى هذا الاعتقاد بعدم قابلية الأمر للتصديق، وها هو عالم اللاهوت الذي كتب ببلاغة لا تضارع عن "حرية الإنسان


(١) نسبة إلى القرون الوسطى