المسيحي" قد رأى وقتذاك (١٥٢٥) في إحدى رسائله أنه إذا كان الله قادراً على كل شيء فلابد أنه السبب الوحيد لكل ما يصدر من أفعال بما فيها أعمال الإنسان وأنه إذا كان الله عليماً بكل شيء فإنه يعرف كل شيء مسبقاً وكل شيء لابد أن يحدث كما سبق في علمه وعلى ذلك فإن كل الأحداث في كل زمان قد قُدّرت بإرادته تعالى وأصبحت قدراً محتوماً للأبد. وانتهى لوثر مثل أسبينوزا إلى أن الإنسان "ليس حراً مثل كتلة من الخشب أو صخرة أو كتلة من الصلصال أو عموداً من الملح" (١٤١). ومع ذلك فإنه لأمر أكثر غرابة أن تحرم الحكمة الإلهية نفسها الملائكة، لا، بل والله نفسه من الحرية فإنه تعالى يجب أن يعمل كما سبق في علمه فحكمته هي قدره.
ولقد فسر أحد المجانين هذه العقيدة كما شاء له هواه: ضرب شاب عنق أخيه وعزا هذا إلى فعل الله الذي لم يكن هو إلا عبده العاجز فحسب، وحطم أحد المناطقة جسد زوجته بعصبية حتى ماتت وهو يصرخ "الآن تمت إرادة الأب" (١٤٢).
وتتدرج معظم هذه الاستنتاجات ضمناً في لاهوت القرون الوسطى، وقد استخلصها لوثر من بولس إلى أوغسطين في تزمت لا يلين وبدا راغباً في قبول لاهوت القرون الوسطى إذا تجرد من سلطان كنيسة عصر النهضة، فقد كان في وسعه أن يكون أكثر تسامحاً في قبول حتمية وجود جمهرة كبيرة من الملعونين منه في الخضوع لسلطان بابوات يشتطون في جمع الضرائب بصورة فاضحة. ورفض التسليم بالتعريف الكهنوتي للكنيسة بأنه هي الأسقفية وعرّفها بأنها جماعة المؤمنين بالله وبآلام المسيح تكفيراً عن ذنوب البشر ولكنه ردد العقيدة البابوية عندما كتب يقول: إن كل الناس الذين ينشدون الوصول إلى الله ويعملون من أجل هذا الوصول بأية وسيلة أخرى غير التوسل بالمسيح (مثل اليهود والأتراك والبابويين والقديسين