للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دواة، وأنه عاش حياته وكتب عنها. ولا يمكن شخص صحيح الجسم أن ينفس على تلذذه بأطايب الطعام وشراب الجعة، أو استمتاعه المثمر بكل المباهج، التي استطاعت كاترين بورا أن توفرها له. ولعله كان حرياً به أن يكون، بدافع الحرص، أكثر تحفظاً في هذه الأمور، ولكن التحفظ جاء مع المتطهرين، ولم يعرفه الإيطاليون في عصر النهضة، ولا الألمان في عهد الإصلاح الديني، بل إننا نجد أن أرازموس الرقيق يصدمنا بحديثه الفسيولوجي الصادق. كان لوثر يأكل بإفراط، ولكنه استطاع ردع نفسه بالصوم الطويل، وكان يفرط في الشراب ولكنه كان يبدي الأسف، ويعد الشرب رذيلة قومية، ومع ذلك فإن الجعة كانت ماء الحياة بالنسبة للألمان، كالنبيذ بالنسبة للإيطاليين والفرنسيين، وكان يمكن أن يكون الماء سماً زعافاً قي تلك الأيام الخوالي، ومع ذلك فإننا لم نسمع قط عن إفراطه في السكر حتى يفقد صوابه، وقال: "إذا كان الله يغفر لي إني صلبته بالقداسات عشرين عاماً مضت، فإنه يستطيع أن يتحملني لأني أتناول شراباً طيب المذاق، من آن لآخر، لكي أكرمه" (١٨).

وبدت أخطاؤه واضحة للعين والأذن، فقد كان الفخر يشيع وسط تعبيراته الدائمة عن التواضع. وكان عقيدياً ضد العقيدة، مفرطاً في الحماسة لا يبدي أية مجاملة لخصومه، ويتشبث بالخرافات، في الوقت الذي يسخر فيه من الخرافة، ويندد بالتعصب ويمارسه في الوقت نفسه - وهكذا لم يكن قدوة للصلابة أو مثلاً أعلى للفضيلة، ولكنه رجل جمع متناقضات الحياة، وإنسان مزقه بارود الحرب، وقد اعترف قائلاً "لم أكن أتوانى عن الانقضاض على خصومي بلسان حاد، ولكن ما فائدة الملح إذا لم يكن لاذع الطعم؟ " (١٩) وتحدث عن المراسي البابوية، فوصفها بأنها قذارة وروث (٢٠)، وقال عن البابا إنه: "بذرة الشيطان" أو الملازم، ووصفه بأنه خصم للمسيحية، أما الاساقفة فقد نعتهم بأنهم "ديدان" وهراطقة كفرة "وقردة جهلة" وتحدث عن الرسامة الكهنوتية فقال إنها بمثابة دمغ إنسان "بشارة