المصارعة" (٨٧). ولقد قرأ لوثر نفسه رسالة "الثناء على الطيش" كما قرأ تقريباً غيرها من كل ما نشره أرازموس، وقال لأصدقائه إنه إنما يقوم بصياغة مباشرة لما قاله عالم الإنسانيات الشهير، أو ما ألمح إليه منذ سنوات عديدة مضت، وكتب في ١٨ مارس عام ١٥١٩ إلى أرازموس في تواضع واحترام ينشد صداقته وعونه ضمناً.
وكان على أرازموس وقتذاك أن يتخذ قراراً حاسماً في حياته. وكان في مأزق بين أمرين أحلاهما مر. إذا تخلى عن لوثر فسوف يوسم بالجبن، وإذا اشترك مع لوثر في عدم الاعتراف بالكنيسة الرومانية فإنه لن يخسر فحسب بل ثلاثة مرتبات، ويفقد ما أسبغه عليه ليو العاشر من حماية ضد المشتغلين باللاهوت، الذين يعملون للحيلولة دون نشر العلم، وسيجد نفسه مضطراً إلى التخلي عن خطئه واستراتيجيته بشأن إصلاح الكنيسة عن طريق تحسين العقول والأخلاقيات في الرجال دوي النفوذ. وكان قد أحرز (كما اعتقد) تقدماً حقيقياً في هذا المجال مع البابا ورئيس الأساقفة وارهام والأسقف فيشر ونائب الأسقف كوليه وتوماس مور وفرانسس الأول وشارل الخامس، ولم يرض هؤلاء الرجال بالتأكيد أن يتخلوا عن الكنيسة. حقاً إنهم كانوا على استعداد لأن يحجموا عن تقويض نظام كان في نظرهم مرتبطاً بطريقة مبهمة مع حكومة الأمراء في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي، ولكن يمكن تجنيدهم في حملة لتخفيف الخزعبلات والأهوال في عقيدة راجحة الكفة، وفي تطهير رجال الدين وتعليمهم، وفي السيطرة على الرهبان وإخضاعهم للتبعية، وفي حماية حرية الفكر من أجل تقدم العقل.
إن تغيير ذلك البرنامج بانقسام العالم المسيحي انقساماً شديداً إلى شطرين متحاربين، وبلاهوت، يأخذ بالقدرية وبعدم أهمية الأعمال الصالحات، سوف يبدو في نطر هؤلاء الرجال، بل وبدا لأرازموس، الطريق إلى