للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو يكتب ملتفاً بمعطف ثقيل حوافه مزينة بالفراء، ويضع على رأسه قلنسوة تغطي نصف أذنيه، وها هو أعظم علماء الإنسانيات تشي كهولته التي جاءت قبل الأوان، (كان وقتئذ في السابعة والخمسين من عمره) بالثمن الغالي الذي دفعه بسبب اعتلال صحته. حياة فيلسوف مشائي حافلة بالجدل والخصام، والعزلة الروحية والحزن، اللذين ترتبا على رغبته في أن يكون عادلاً مع الطرفين في الخلافات المذهبية التي حدثت في عصره. وتبرز من القلنسوة شعرات بيضاء مشعثة. وله شفتان رقيقتان كالحتان، وتقاطيع جميلة، وإن كانت قوية، وأنف حاد معقوف، وجفون ثقيلة، تكاد تغلق عينين متعبتين، هنا في لوحة من أعظم الصور الشخصية ترى النهضة وقد مزقها الإصلاح الديني إرباً.

وفي أول ديسمبر عام ١٥٢٢ كتب البابا الجديد أدريان السابع إلى أرازموس بألفاظ توحي بسلطانه غير العادي على كلا الطرفين: "يتوقف عليك، وأسال الله أن يعينك، أن تهدي من أضلهم لوثر عن الطريق المستقيم، وأن تقف إلى جانب من لا يزالون صامدين … ولست في حاجة إلى أن أعرب لك عن مدى غبطتي عندما أتلقى ثانية هؤلاء الهراطقة دون حاجة إلى قرعهم بعصا القانون الإمبراطوري. وأنت تعرف إلى أي حد تتنافى مثل هذه الطرق الفظة مع طبيعتي. أنا لا أزال كعهدك بي عندما كنا ندرس معاً. تعال إلي في روما، وسوف تجد هنا ما تنشده من الكتب، وسوف تجدني أنا وآخرين من الرجال المستنيرين، لنتبادل المشورة، وإذا فعلت ما أطلبه منك فإنك لن تندم أبداً" (٩٧).

وبعد تبادل تمهيدي لخطابات تعهد فيها كل منهما للآخر بالحفاظ على السرية، فتح أرازموس قلبه للبابا وقال: "إن قداستك تطلب مني النصيحة، وترغب في أن تراني. وكم كان يسعدني أن أذهب إليك لو سمحت بذلك صحتي. أما بالنسبة للكتابة ضد لوثر، فأنا لست على درجة كافية من العلم، وأنت تعتقد أن لكلماتي سلطاناً، ولكني للأسف أرى