للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عندما تسلك منه الرسالة، وشعر معظم الكثالكة بخيبة الأمل بسبب اللهجة الفلسفية، التي تنشد المصالحة، والتي تنطوي على عبارات الكتاب عليها، فقد كانوا يأملون أن يسمعوا خبر إعلان حرب يطربون لها. والحق أن ميلانكتون الذي أعرب عن وجهة نظره في الجبرية بكتاب Losi Communes تأثر كثيراً بالرأي الذي أبداه أرازموس، وحذف نظريته في هذا الموضوع، وذلك في الطبعات التي ظهرت فيما بعد (٩٩). وكان هو أيضاً لا يزال يراوده الأمل في السلام - ولكن لوثر دافع عن الجبرية بلا هوادة في رد متأخر عنوانه De Servo arbitro عام ١٥٢٥، وقال:

"إن الإرادة البشرية مثل دابة الحمل، إذا امتطاها الرب رغبت، وانطلقت كما يشاء الرب، وإذا امتطاها الشيطان رغبت، انطلقت كما يهوى الشيطان. وهي لا تستطيع أن تختار راكبها … والركاب يتنازعون على امتلاكها … والرب يعلم الغيب، ويقدر ويعمل كل شيء، بإرادة فعالة أزلية، لا تتبدل، وبهذه الإرادة القاهرة تغوص الإرادة الحرة، وتتفتت في التراب" (١٠٠).

ومن الأمور ذات المغزى عن المزاج السائد في القرن السادس عشر، أن لوثر رفض التسليم بحرية الإرادة، لا لأنها تتعارض مع حكم قانون عالمي وعلية عالمية، كما ذهب إلى ذلك بعض المفكرين في القرن الثامن عشر، ولا لأنه يبدو أن الوراثة والبيئة والظرف تحدد، كثالوث آخر، الرغبات التي يبدو أنها تحدد الإرادة، كما ذهب إلى ذلك كثيرون في القرن التاسع عشر، بل إنه رفض التسليم بالإرادة الحرة على أساس أن قدرة الله على كل شيء، تجعله تعالى السبب الحقيقي لكل الحوادث وكل الأفعال، وبالتالي فإنه تعالى، وليست فضائلنا أو خطايانا، هو الذي يحكم علينا بالخلاص أو العذاب الأبدي: ويواجه لوثر مرارة منطقه برجولة فيقول: "لقد أسيء إلى حسن الإدراك والعقل الفطري، إلى حد كبير، بالقول بأن الله يتخلى عن عبده ويقسو عليه ويعذبه بمحض إرادته تعالى، كما لو كانت