وتغاضيك عن ذلك، فإننا سوف نغلب على أمرنا حقاً إلى أقصى حد، ونكون مثل قطيع من الأغنام، يساق إلى الذبح. ومع ذلك هل لنا أن نحتفظ في صبر بأرواحنا، وننتظر أن تمتد إلينا يد الرب القوية … لإنقاذ الفقراء من غمهم، ولمعاقبة المستخفين بهم، الذين يبتهجون الآن في أمن واطمئنان تام. وإني لأدعو الرب ملك الملوك أن يوطد عرشك بالعدل والتقوى، وأن ينتشر في مملكتك القسط والإنصاف" (٤).
وليس من اليسير علينا، في عصر أسلم فيه اللاهوت مكانه للسياسة، باعتبارها مركزاً لاهتمام بني الإنسان والصراع بينهم، أن نتذكر المزاج الذي ألف به كالفن كتابه القوانين. لقد كان رجلاً هائماً في حب الله - أكثر من سبينوزا، وكان شعور بضآلة الإنسان وعظمة الله.
وكم يكون الأمر منافياً للعقل أن نفترض أن العقل الواهي لهذا السوس، الذي لا يكاد يرى بالعين المجردة، وهو الانسان، يستطيع أن يدرك العقل المفكر الذي يحكم هذه النجوم الطيعة التي لا تحصى؟ وأن الله، رأفة بعقل الإنسان، قد اظهر لنا نفسه في الكتاب المقدس، وثبت أن هذا الكتاب المقدس هو كلمة الله، (كما يقول كالفن) بما له من سلطان لا نظير له على روح الإنسان.
"إقرأ لديموستين أو شيشرون، وإقرأ لأفلاطون أو أرسطو أو لغيرهم ممن هم في مستواهم، وأنا كفيل بأن ما تقرأه من مؤلفاتهم سوف يجتذبك، ويشرح صدرك، ويحرك شغاف قلبك، ويخلب لبك بطريقة مدهشة، ولكن إذا تحولت بعد قراءتها إلى تلاوة الكتاب المقدس، سواء كنت راغباً أو غير راغب، فإنه سوف يستولي عليك بقوة عظيمة، وينفذ إلى قلبك، ويطبع كلماته بقوة في ذهنك، إلى الحد الذي لو قارناه بما لتلك المصنفات من أثر قوي، فإن الجمال الذي يتسم به كلام البلغاء والفلاسفة يتبدد كله أو يكاد، ومن اليسير أن ندرك أن شيئاً إلهياً في الكتب المقدسة، يفوق بكثير أعظم ما أحرزه الإنسان في عالم الصناعة والزخرف" (٥).