وعلى ذلك فإن هذه الكلمة التي نزلت علينا يجب أن تكون مرجعنا الاخير، لا في الدين والأخلاقيات فحسب، ولكن في التاريخ والسياسة وكل شيء أيضاً. يجب أن نتقبل قصة آدم وحواء لأننا نفسر، بعصيانهما أمر الله، الشر الذي فطر الإنسان عليه، وفقدانه لإرادته الحرة.
"إن عقل الإنسان لينفر كل النفور من عدل الله، حتى إنه ليدرك، ويرغب في، ويباشر كل شيء، يتسم بالزندقة الانحراف والخسة والدنس والفجور، وطمس على قلبه بسم الخطيئة فلم يعد يصدر عنه غلا ما هو فاسد خبيث، وإذا قام الناس في وقت من الأوقات بعمل يبدو طيباً في الظاهر، فإن العقل يظل دائماً متورطاً في النفاق والخداع، والقلب يظل عبداً لانحرافه الباطني"(٦).
وأني لمخلوق فاسد إلى هذا الحد أن يستحق النعيم الأبدي في الفردوس؟ ليس في استطاعة واحد منا أن يحصل عليه مهما قدم من أعمال صالحات. حقاً أنه لا بأس بالأعمال الصالحات، ولكن موت ابن الرب الذي ضحى بنفسه في سبيل البشرية هو الذي يستطيع وحده أن يحقق للبشر الخلاص، وليس للناس أجمعين، لأن عدالة الرب تقتضي عذاب معظم البشر في نار جهنم. ولكن رحمته تعالى قد اختارت بعضنا للظفر بالنجاة، وقد وهب تعالى لهؤلاء إيماناً راسخاً بتكفير المسيح عن ذنوبهم، لأن القدّيس بولس قال:"لقد اختارنا الرب في نفسه قبل خلق العالم بأن علينا أن نكون أمامه أطهاراً، لا تشوبنا شائبة في الحب، وقدر علينا أن نتخذ لنا أبناء، كما اتخذ المسيح عيسى ابنا له بمشيئته"(٧). وفسر كالفن هذا، كما فسره لوثر، فإن معناه أن الرب قد قرر بمشيئة حرة، لا تتوقف أبداً على ما نتمتع به من فضائل أو نتصف به من رذائل، وقبل خلقنا بوقت طويل، مَن منا يكتب له النجاة، ومَن يعذب في نار جهنم (٨). ويجيب كالفن على السؤال الذي يتردد، وهو: "لماذا شاء الله النجاة لبعض الناس، والعذاب لآخرين، دون اعتبار لما قدموه من أعمال، بكلمات بولس: لأنه قال