واقتبس أمراء موسكو العظام أساليب الطغيان والاستبداد عند التتار، وربما كان هذا بديلا عن فوضى الجهل، وأدارت دفة الحكم على الأسلوب البيزنطي بيروقراطية في ظل حكومة فردية مطلقة طابعها العنف والدهاء، خاضعة لمجلس من أبناء الطبقة العليا ذوى الامتيازات ( Boyars) الذين كانوا يقدمون مشورتهم وخدماتهم للأمير، وكانوا في نفس الوقت قادة الجيش وحكام الأقاليم والقائمين على التنظيم، والحماة والمستغلين للفلاحين شبه الأحرار الذين كانوا يفلحون الأرض. وهاجر مستعمرون مغامرون الى الأقاليم غير المستقرة وجففوا المستنقعات وأخصبوا الأرض بحرق الغابات والأدغال واستهلكوا الأرض نتيجة اسرافهم وقصر نظرهم في فلحها، ثم انصرفوا عنها ضرباً في الأرض حتى وصلوا البحر الأبيض وجبال الأورال، واتخذوا سبيلهم سرباً إلى سيبريا، وفي السهول المترامية الأطراف بلا نهاية كانت المدن كثيرة ولكنها صغيرة، وكانت البيوت مبنية من الخشب والطين، وكان مقدراً لها أن تحترق وتنقض على مدى عشرين سنة على الأكثر. وكانت الطرق غير معبدة وأقل إزعاجاً في الشتاء حيث كانت تكسوها الثلوج وتملؤها الزحافات والأحذية العالية. وآثر التجار الأنهار على الطرق، ونقلوا تجارتهم في بطئ على الماء أو الجليد بين الشمال والجنوب، مع بيزنطة والمسلمين وعصبة الهانسا (وقد تكونت من بعض المدن الحرة في شمال ألمانيا والدول المجاورة، تكونت في العصور الوسطى بقصد التجارة). وربما كانت هذه التجارة المنتشرة هي التي تغلبت على النزعة الفردية لدى الأمراء وفرضت توحيد روسيا. وكان فاسيلى الثاني (١٤٢٥ - ١٤٦٢) الملقب باسم تمنى Temny - الأعمى- لأن أعداءه فقأوا عينيه - هو الذي قضى على تمرد العصاة وألزمهم الطاعة، عن طريق التعذيب وبتر الأطراف والجلد، وترك لابنه روسيا قوية إلى درجة تضع معها نهاية لمخازي حكم التتار.