الحجاج، قاصدين إلى الأضرحة القديمة؛ ولم يكونوا ليفهموا ما يقال من عبارات الصلاة في تلك المعابد، لأنها كانت تقال بالسنسكريتية، لكنهم كانوا يفهمون الأوثان، فيزينونها بالحلي ويطلونها بالطلاء ويرصعونها بكريم الأحجار؛ وكانوا أحياناً يعاملونها كأنها كائنات بشرية فيقضونها ويغسلونها ويلبسونها الثياب، ويطعمونها ويؤنبونها وينيمونها في مخادعها عند خاتمة النهار (٦١).
وأعظم الطقوس الجماعية هي تقديم القرابين، وأعظم الطقوس الخاصة الفردية هي التطهير؛ فالقربان عند الهندي ليس مجرد صورة خاوية، لأنه يعتقد أنه إذا لم يعقد الآلهة طعاماً فإنها تموت جوعاً (٦٢) ولما كان الإنسان في مرحلة أكل اللحوم البشرية، كانت القرابين في الهند كما في غيرها من بلاد العالم ضحية بشرية؛ وكانت "كالي" تحب أن يكون قربانها رجالاً، ثم فسر البراهمة هذا بأنها إنما تحب أن تأكل رجالاً من أهل طبقات الدنيا وحدها (١) فلما تقدمت الأخلاق، أخذ الآلهة يكتفون بالحيوان قرباناً؛ فكان الناس يضحون لهم بكثير منه؛ على أن الماعز كان ذا منزلة خاصة في هذه الاحتفالات؛ ثم جاءت البوذية والجانتية و "أهمسا" فحرمت التضحية بالحيوان في بلاد الهندستان (٦٧) ثم عادت العادة إلى مجراها القديم حين حلت الديانة الهندية محل البوذية؛ ولبثت قائمة على نطاق يثير الدهشة باتساعه، حتى يومنا هذا؛ وإنه لمن حسنات البراهمة أنهم رفضوا أن يسهموا بنصيب في أية تضحية فيها إراقة للدماء (٦٨).
وأما طقوس التطهير فقد كانت تستغرق من حياة الهندي ساعات كثيرة، لأن مخاوف النجاسة كانت من الكثرة في الديانة الهندية كما هي في قواعد
(١) يسجل التاريخ هذه القرابين البشرية حتى سنة ٨٥٤ م (٦٤) وكان المعتقد سابقاً أن المخلصين لدينهم كانوا يقدمون أنفسهم قرابين، مثل الذي يروي عن المتهوسين الدينيين الذين كانوا يلقون بأنفسهم تحت عجلات عربة "ججر نوت" (٦٥)؛ لكن الرأي مجمع الآن على أن الحالات النادرة التي حدثت فيها التضحية بالنفس كانت على الأرجح من قبيل المصادفات.