الصحة الحديثة؛ فما أكثر ما قد يصاب الهندي بما يرده نجساً- إن أكل طعاماً حراماً، وإن لمس قمامة أو مس إنساناً من طبقة الشودرا، أو منبوذاً أو جثة أو امرأة في فترة حيضها، وغير ذلك مئات الحالات؛ وبالطبع كانت المرأة نفسها ينجسها حيضها أو وضعها وليداً؛ ولذا تطلب القانون البرهمي عزل المرأة في مثل هذه الحالات، واشترط تحوطات صحية معقدة (٦٩)؛ وبعد كل هذه النجاسات- أو احتمال العدوى على حد تعبيرنا الحديث- كان من واجب الهندي أن يؤدي طقوساً تطهيرية معينة؛ فأما الحالات الصغرى فتكفيها طقوس بسيطة كأن يرش من إصابته النجاسة بالماء المقدس (٧٠) وأما الحالات الكبرى فلا بد لهما من طرائق معقدة تبلغ أقصى مداها في بشاعة ما يسمونه "بانشاجافيا" وهو ضرب من التطهير كان يحكم به عقاباً لمن انتهك قوانين الطبقات على خطورتها (مثال ذلك أن يغادر الهند) ويتألف ذلك التطهير من شرب مزيج فيه "خمسة عناصر" من البقرة المقدسة: اللبن، والخثارة، والسمن، والبول، والروث (١).
وأقرب من ذلك قليلاً إلى ذوقنا ما يوجبه عليهم دينهم من استحمام كل يوم؛ فهاهنا كذلك ترى تدبيراً صحياً تمس إليه الحاجة مساً شديداً في مناخ شبه استوائي؛ وترى هذا التدبير الصحي مصبوباً في قالب من الدين حتى يكون أقوى تأثيراً في النفوس؛ ولهذا بنيت برك وأحواض "مقدسة"، وجعلت أنهار كثيرة أنهاراً مقدسة وقيل للقوم إنهم إذا استحموا في هذه الأماكن تطهروا جسماً وروحاً؛ وقد كان ملايين الناس في أيام الرحالة "يوان شوانج" يستحمون في نهر الكنج كل صباح (٧٣)؛ ومنذ ذلك العهد إلى يومنا لم تشهد تلك الأمواج شروقاً للشمس دون أن تسمع صلوات المستحمين الذين جاءوها
(١) السمن هو زبد مصفى، ويقول "الأب دبوا" (١٨٢٠ م) عن البول "إنه في نظرهم أفعل وسائل التطهير من أي ضرب من ضروب النجاسة، فكثيراً ما شاهدت هنوداً ممن يؤمنون بالخرافة، وهم يتبعون البقر إلى مراعاة، ينتظرون اللحظة التي يستطيعون فيها الحصول على هذا السائل الثمين في أوعية من نحاس أصفر، ويسرعون به إلى دورهم وهو ما يزال دافئاًً، وكذلك شاهدتهم يرقبون أخذه في حفنات أيديهم، فيشربون بعضه ثم يمسحون وجوههم ورءوسهم ببقيته".