للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تسقط في الحريق العام، وتوج سمرقند بمثل هذه القباب، ونشر هذا الطراز بين الهند وروسيا، حتى إنك لتراه سائداً من تاج محل إلى الميدان الأحمر. ولما عاد من الهند أحضر معه الفنانين والصناع المهرة: فأقاموا له في ثلاثة أشهر مسجداً ضخماً هو "مسجد الملك" له بوابة ارتفاعها مائة قدم، وسقف مرفوع على ٤٨٠ عموداً من الحجر. وشيد لأخته "تشوشوك بيكا" ضريحاً لتدفن فيه، أصبح تحفة العمارة في عصره (٤٤). وعندما أمر ببناء مسجد تخليداً لذكرى زوجته الأثيرة لديه، بيبى خاتون، أشرف على البناء بنفسه، وألقى باللحوم إلى العمال في الحفائر، ونفح الصناع المهرة المجتهدين بالنقود، وحثهم أو أجبرهم على العمل ليل نهار، حتى أقبل الشتاء وتوقف البناء، وأخمدت حماسته.

وأنجز خلفاؤه فناً أكثر نضجاً. ففي "مشهد" على الطريق بين طهران وسمرقند استخدمت "جوهر شاد" زوجة "شاه رخ" المغامرة، المهندس المعماري قوام الدين في بناء المسجد الذي يحمل اسمها (١٤١٨)، وهو أروع نتاج الهندسة الإسلامية الفارسية وأغناه بالألوان (٤٥). وفيه تحيط المآذن المزودة بالفوانيس الرائعة بالضريح وكأنها تحرسه، وتؤدي أربعة مداخل فخمة إلى فناء رئيسي، كسبت واجهة كل منها بآجر من الخزف المزخرف، "لا مثيل لها من قبل ومن بعد" (٤٦) - تحفة الزمان - تتحدى اللون في مائة شكل من الزخرفة العربية "الأرابسك" والرسوم الهندسية والحركات الزهرية والخط الكوفي الفخم، وأضفت شمس فارس على هذا مزيداً من البريق والتألق. وفوق الجزء الجنوبي الغربي من الرواق ذي الأعمدة المؤدى إلى حرم المسجد ارتفعت مئذنة من الآجر الأزرق تناطح السماء، وعلى الباب بحروف بيضاء على أرضية زرقاء نقش إهداء الملكة، وهو إهداء يفيض فخراً وتقى:

إن عظمتها العريقة في المجد، شمس سماء الطهارة والعفة ....