جوهر شاد، خلد الله عظمتها وأدام طهارتها! من مالها الخاص،
ولخبر آخرتها، ومن أجل اليوم الذي يحاسب فيه المرء على
ما قدمت يداه، تقرباً إلى الله وشكراً له سبحانه .. .. شيدت
هذا المسجد الجامع العظيم، هذا البيت المقدس، في عهد السلطان
المعظم، سيد الحكام، والد نائب الملك، شاه رخ أدام الله
ملكه وإمبراطوريته، وزاد على الأرض صلاحه وعدله
وكرمه (٤٧).
ولم يكن مسجد جوهر شاد إلا واحداً من جملة مبان جعلت من مشهد رومه "المذهب الشيعي"، وهناك على مدى ثلاثين جيلاً، شيد أتباع الإمام الرضا مجموعة كبيرة من العمائر فخامتها بالألباب، ذوات مآذن جميلة وقباب فاخرة، ومداخل كسيت واجهاتها بالآجر اللامع أو بصفائح الفضة أو الذهب، وساحات تعكس فسيفساءها الزرقاء والبيضاء أو خزفها المزخرف أشعة الشمس. وهنا في هذا المنظر العريض الخلاب بأشكاله وألوانه، استخدم الفن الفارسي كل سحره ليمجد أحد أولياء الله الصالحين ويرهب الحاج الزائر حتى يعمر قلبه بالتقوى والإيمان.
ومن أذربيجان إلى أفغانستان ارتفع في هذا العصر في أرض الإسلام ألف مسجد: ذلك أن بيوت العبادة لها من القيمة الكبيرة لدى الإنسان ما لفاكهة الأرض، ولكن عندنا أهل الغرب المحصورين في خلايا العقل، لا تعني هذه الأضرحة إلا أسماء جوفاء، بل قد يزعجنا أن نحيها ونكرمها بتلك الانحناءات الجافة المقتضبة. وماذا يعنينا أن جوهر شاد قد حصلت لرفاتها الطاهرة على مقبرة جميلة في هراه، وأن شيراز جددت عمارة مسجدها الجامع في القرن الرابع عشر، وأن يزد وأصفهان قد أضافتا محرابين فاخرين إلى مسجدي الجمعة فيهما؟ الحق أننا بعيدون جداً، من حيث الزمان والمكان والتفكير، إلى حد لا نشعر معه بهذه العظمة والجلال،