(٣) وأن ما يحكم الأشياء كلها هو "الطبيعة" التي تبدع، و "الزمان" الذي يهدم؛ وهما لا يأبهان بفضيلة أو برذيلة حين يقسمون بين الناس أنصبتهم من السعادة والشقاء.
(٤) وأن الناس تخدعهم حلاوة الكلام فيعتنقون الاعتقاد في الآلهة والمعابد والكهنة، مع أنه من الواقع لا فرق بين فشنو وكلب (٧٦).
وهناك قانون بوذي مكتوب باللغة الباليّة، تراه يضم المتناقضات، شأنه في ذلك شأن أي كتاب مقدس يحمي مصالح الكهنوت، وفي هذا القانون رسالة تستوقف النظر لعلها قديمة قدم المسيحية، وتسمى "أسئلة الملك مِلِنْدا" وفيها المعلم البوذي "نجاسينا" يجيب إجابات جد مثيرة للأسئلة الدينية التي يوجهها إليه "الملك مناندر" الإغريقي الباكتريّ الذي حكم شمالي الهند في مستهل القرن الأول قبل المسيح؛ يقول "نجاسينا" إن الدين لا ينبغي أن يتخذ مجرد وسيلة فرار يلوذ بها المعذبون، بل يجب أن يكون سعي الزاهد حتى يبلغ مرحلة القداسة والحكمة دون أن يزعم وجود جنة أو إله، لأن هذا القديس يؤكد لنا أنه لا وجود لجنة أو إله (٧٧).
وتهاجم ملحمة "الماهابهاراتا" هؤلاء الشكاك والملاحدة الذين- كما تزعم لنا- ينكرون حقيقة الأرواح ويحتقرون الخلود، وهي تقول أن أمثال هؤلاء الناس "يضربون في فجاج الأرض كلها"؛ وهي تنذرهم بعقابهم المقبل، ضاربة لهم مثلاً ابن آوى الذي يعلل وجوده ووجود نوعه بقوله إنه كان في حياته الماضية "باحثاً عقلياً، وناقداً لكتب فيدا … مهيناً للكهنة معارضاً لهم … كافراً بكل شيء شكاكاً في كل شئ"(٧٨)؛ ويشير "بهاجافاد- جيتا" إلى الزنادقة الذين ينكرون وجود الله ويصفون الدنيا بأنها "لا تزيد عن كونها منزلاً للشهوات"(٧٩) وكثيراً ما كان البراهمة أنفسهم شكاكين لكنهم كانوا يذهبون في الشك إلى غاية مداه بحيث لا يسمحون لأنفسهم أن يهاجموا عقيدة الناس؛ وعلى الرغم من أن شعراء الهند بصفة عامة يتميزون بالورع الشديد