(١٥٠٩)، وبقى العالم اليهودي ثلاثة عشر عاماً ضيفاً مكرماً في قصر الكاردينال يعلمه العبرية، ويتلقى عنه اليونانية. وبفضل جهود إجديو، ورخلين، وآخرين من التلامذة المسيحيين الذين يتلقون العلم عن المعلمين اليهود، أنشئت كراسى اللغة العبرية، في كثير من الجامعات والأكاديميات في إيطاليا. وحظي إيليا دل مديجو الذي كان يعلم العبرية في بادوا بتقدير عظيم هناك، رغم رفضه التحول عن دينه، إلى حد أنه لما حدث خلاف عنيف بين الطلبة المسيحيين حول بعض الشئون الثقافية، عينت السلطات الجامعية والسناتو في البندقية دل مديجو للتحكيم، فعالج الموضوع بحزم ولباقة، وخرج الجميع راضين. ودعاه بيكو دللا ميراندولا ليعلم العبرية في فلورنسة، وهناك انضم إيليا إلى الحلقة الإنسانية لأسرة مديتشى، ولا زلنا نراه من بين الشخصيات التي رسمها بينوتزو جوتزولى على جدران قصر مديتشى. ولم يشجع هذا العالم فكرة بيكو عن وجود بعض عقائد مسيحية في "القبالة"(١)، بل على النقيض من ذلك، سخر من سفر الرؤيا على أنه مجموعة من سخافات حمقاء.
وكان اليهود القاطنون في شمال جبال الألب أقل حظاً من اليهود إيطاليا. فقد طردوا من إنجلترا في سنة ١٢٩٠، ومن فرنسا في سنة ١٣٠٦، ومن فلاندرز في سنة ١٣٧٠. ودعوا إلى فرنسا ثانية في ١٣١٥ شريطة أن يعطوا الملك ثلثي أي مال يكونون قد جمعوه من فوائد القروض التي عقدوها قبل طردهم (١٦). وما أن انتهت مكاسب الملك من هذه العمليات حتى نفى اليهود ثانية في سنة ١٣٢١. وعادوا في الوقت الناسب ليلقوا التأنيب على "الموت الأسود" ويحملوا مسئوليته، ونفوا مرة أخرى (١٣٤٩)، وأعيدوا من
(١) Cabala فلسفة دينية سرية ابتدعها بعض أحبار اليهود، قائمة على تفسيرات غامضة للكتاب المقدس (المترجم)