المقدس، فسره بعنف أدى بنقاده إلى تغيير اسم مؤلفه إلى "معارك ضد الله"(٨٢). وقال ليفي إنه يجدر بنا ألا نأخذ بالمعنى الحرفي قصصاً مثل قصة يوشع الذي أوقف الشمس، فهذه القصة وأشباهها من "المعجزات"، ربما كانت أحداثاً طبيعية نسيت أو لم تعرف أسبابها (٨٣). وأخيراً أفصح عن مذهبه العقلاني دون قناع، "إن التوراة لا يمكن أن تمنعنا من أن نعتبر حقاً ما يلح علينا عقلنا في الإيمان به"(٨٤).
واشتق جرسونيدس وجود الله مما قد يسميه هولباخ الملحد "نظام الطبيعة" فإن قانون الكون ونظامه يكشفان عن "عقل كوني" ويضيف هو إلى هذا، الحجة الغائية: وهي أن معظم الأشياء في الطبيعة الحية تبدو مخصصة كوسيلة إلى غاية. وتزود العناية الإلهية كل كائن حي بوسائل حماية الذات والتطور والتكاثر. والعالم بوصفه كوناً أو نظاماً، خلق في الوقت المناسب، ولكن ليس من العدم. فقد سبق أن وجدت منذ الأزل كتلة جامدة هامدة لا شكل لها، وزودها الكون بالحياة وبالشكل. وهناك بين الله وبين الأشكال المخلوقة قوة وسيطة سماها جرسونيدس، وهو في هذا يحذو حذو أرسطو، "عقلاً نشيطاً أو خلاقاً". ويوجه انبثاق الذكاء الإلهي كل الأشياء، ويصبح النفس التي يحملها الإنسان بين جنبيه. ولما كانت النفس تعتمد على أحاسيس الإنسان فهي فانية. وبما أنها أي النفس، تفهم الكليات وتعي نظام العالم ووحدته فإنها تصبح قصداً جزءاً من "العقل" النشيط الذي هو خالد.
ورفض اليهود فلسفة جرسونيدس على أساس أنها في جوهرها شكل من فلسفة ابن رشد، عقلانية قد تؤدي في النهاية بالعقيدة الدينية. ودرس المفكرون المسيحيون فلسفته، وتأثر بها اسبينوزا. ولكن قلوب المفكرين اليهود وعقولهم، عبر عنها في إخلاص أكبر، حسداي بن أبراهام كرسكاس