يحدوه ولع شديد بالأسفار كولع ابن بطوطة. وقد أسره القراصنة المسيحيين وبعثوا به إلى روما هدية للبابا ليو العاشر الذي أعتقه ورتب له معاشاً بعد أن أعجب بما حصله من علم وثقافة. واستجاب لهذا العطف باعتناقه المسيحية واتخاذ "ليو" اسماً له. ثم أنفق الثلاثين السنة التالية في تأليف كتابه هذا بالعربية أولاً ثم بالإيطالية. وقبل الفراغ من طبعه الكتاب عاد إلى تونس، وهناك مات عام ١٥٥٢ على دين آبائه فيما يبدو. (٥١)
وكان العصر مثيراً بالنسبة للجغرافيا. فقد جاءت الأنباء والتقارير تتري، من المبشرين والفاتحين الأسبان والملاحين والرحالة، مضيفة إضافات هائلة إلى معرفة أوربا بالكرة الأرضية. وكان الأسبان الذين فتحوا المكسيك وكاليفورنيا وأمريكا الوسطى وبيرو في هذه الفترة مغامرين وطلاب ثراء أولاً، سئموا الفقر والحياة الرتيبة في وطنهم، واقتحموا المخاطر في تلك الأقطار النائية الغريبة. وفي غمرة الشدائد التي عانوها في مغامراتهم المستهترة نسوا قيود الحضارة، واعتنقوا بصراحة أخلاقيات المدافع المتفوقة، واقترنوا عملاً من أعمال السطو والغدر والقتل لا يغتفر، إلا أن يرى طرف ذو مصلحة أن نتيجته النهائية كانت كسباً للحضارة. ومع ذلك فما من شك في أن المغلوبين كانوا في ذلك الوقت أعظم تحضراً من الغالبين الفعليين. وحسبك أن تتأمل حضارة ألمانيا التي وجدها هرنانديز القرطبي في يوكاتان (١٥١٧)، وإمبراطورية المونتزوميين الأزتيكية التي غزاها هرناندو كورتيز (١٥٢١)، وحضارة الإنكا الاشتراكية التي دمرت إبان فتح فرانشسكو بيزارو لبيرو (١٥٢٦ - ٣٢). ولا ندري أي صور نبيلة أو خسيسة كانت هذه الحضارات متطورة إليها لو أتيح لها سلاح تدافع به عن نفسها.