فأقر النظام بين رجال الأكليروس بوصفه رئيساً للأساقفة هناك، وكان لهم في تقشفه وتعبده الأسوة الحسنة. وقد لقي في سبيل الإصلاح بعض المقاومة. ذلك أن طريقة دينية تدعى "أوميلياتي"، كانت من قبل تفخر بتواضعها، انحدرت إلى درك الراحة والدعة بل الإباحية. وأمر الكردينال رهبانها أن يطيعوا قانون رهبنتهم، فأطلق أحدهم النار عليه وهو يصلي في الكنيسة. وكانت نتيجة هذه الفعلة أن تحولت رهبة الشعب إلى إجلال لهذا الرجل الذي رأى في الإصلاح خير رد على حركة الإصلاح البروتستنتي. وبفضل جهوده إبان حياته وفي أرجاء أبرشيته أصبح الخلق المهذب القاعدة الفاشية بين الأكليروس والعلمانيين على حد سواء. وأحس الناس بتأثيره في جميع أنحاء إيطاليا، وقد أسهم هذا التأثير في تحويل الكرادلة من نبلاء متعلقين بنعيم الدنيا إلى كهنة أتقياء.
وبدأ البابوات يوجهون اهتمامهم الصادق إلى الإصلاح الكنسي بعد أن حفزهم أمثال هؤلاء. ففي وسط عهد البابا بولس الثالث قدم له الفقيه الشهير جوفان باتيستا كاتشيا بحثاً في إصلاح الكنيسة قال في ديباجته "أرى أن الكنيسة أمنا المقدسة … قد اعتراها من التغير الكبير ما تبدو معه وقد تجردت من سمات طابعها التبشيري؛ وليس فيها أثر للتواضع وضبط النفس والتعفف والقوة الرسولية"(١٠). وأظهر البابا بولس ميله بقبوله إهداء الكتاب إليه. وفي ٢٠ نوفمبر ١٥٣٤ عهد إلى الكرادلة بيكولوميني، وسانسفيرينو، وتشيزي، أن يضعوا برنامج تجديد خلقي للكنيسة، وفي ١٥ يناير ١٥٣٥ أمر بتنفيذ مراسيم الإصلاح التي أصدرها البابا ليو العاشر عام ١٥١٣ تنفيذاً دقيقاً. على أنه أجل الإصلاح الإيجابي بعد أن وقع في شراك السياسة البابوية والإمبراطورية، وأحدق به خطر زحف العثمانيين، وكره وسط هذه الأزمات أن يهز بنيان الإدارة البابوية أو أداءها لوظيفتها بتغييرات جذرية؛ ولكن الرجال