وظلت ترى هذه الرؤى طوال الستة عشر عاماً التالية، وأصبحت عندها أكثر واقعية من الحياة. وفي عام ١٥٥٨ فيما هي غارقة في صلاتها أحست بنفسها تخرج من جسدها وتصعد إلى السماء حيث رأت المسيح وسمعته. ولم تعد هذه الرؤى تضنيها، بل على العكس من ذلك تنعشها. كتبت تقول:
"إن النفس التي كثيراً ما تضنيها وترهقها الآلام الرهيبة قبل حالة الوجد تخرج منها ممتلئة عافية مقبلة على العمل بشكل يدعو إلى الإعجاب … كأن الله شاء أن يشارك الجسد ذاته في سعادة النفس بعد أن أطاع رغباتها … والنفس بعد هذه المنحة يملؤها قدر من الشجاعة عظيم إلى حد يجعل الجسد لا يشعر إلا بأوفر راحة لو مزق في تلك اللحظة إرباً في سبيل الله"(٢٠).
وفي مناسبة أخرى خيل إليها أن "ملاكاً رائع الحسن" قذف "سهماً طويلاً من الذهب" في رأسه نار "مخترقاً قلبي عدة مرات، حتى وصل إلى صميم أحشائي".
"كان الألم حقيقياً بحيث اضطرني إلى الأنين بصوت عال، ومع ذلك كان عذباً إلى حد مدهش لم أتمن معه الخلاص منه. ليس في مباهج الحياة ما يستطيع أن يهب رضى أكثر من هذا. وحين سحب الملاك السهم تركني وقد اضطرمت كلي يحب عظيم لله (١) "(٢١).
هذه الفقرات وأشبابها مما كتبته القديسة تريزا تقبل بسهولة تفسيرات التحليل النفسي، ولكن أحداً لا يستطيع التشكك في إخلاص القديسة الشديد. فقد أيقنت كما أيقن اجناتيوس بأنها رأت الله، وأن أعوص المشكلات كانت تحل لها في هذه الرؤى.
"ذات يوم وأنا أصلي وهب لي أن أدرك في لحظة واحدة كيف أن
(١) يحتفل أتقياء الأسبان بذكرى رؤيا الطعن هذه في عيد مقدس يقع في ٢٧ أغسطس من كل عام.