وتبين له أن أساطير القديسين لا تقل عجباً عن ملاحم الحب النبيل والحرب، ففرسان المسيح هؤلاء هم من كل الوجوه أبطال كفرسان قشتالة. وتكونت في عقله شيئاً فشيئاً فكرة مؤداها أن أنبل الحروب هي حرب المسيحية مع الإسلام. وجعلت جدة الإيمان الأسباني الدين عنده، كما جعلته عند دومنيك من قبل، لا تعبداً هادئاً كتعبد الراهب الألماني توماس أكمبيس، ولكن رغبة مشوبة في الصراع، بل حرباً مقدسة. وصمم على الذهاب إلى بيت المقدس وتحرير الأماكن المقدسة من سيطرة غير المسيحيين. وذات ليلة ظهرت له العذراء وابنها في رؤيا، وبعدها (كما أخبر الأب جونزاليز فيما بعد) لم يهاجمه قط أي إغراء جنسي (٢٨). ونهض من فراشه، وجثا على ركبتيه، وأقسم أن يكون جندياً للمسيح ومريم حتى الموت.
وكان قد قرأ أن الكأس المقدسة خبئت مرة في قلعة بمونتسرات في إقليم برشلونة. هنالك، كما ورد في أشهر الروايات قاطبة، قضى أماديس ليلة بطولها ساهراً أمام صورة العذراء تأهباً للفروسية. وما إن وجد إينيجو في نفسه القدرة على السفر حتى امتطى بغلاً وانطلق إلى ذلك المزار البعيد. وظل حيناً يرى في نفسه جندياً مرتدياً شكة النزال. ولكن القديسين الذين قرأ أخبارهم لم يحملوا سلاحاً ولا درعاً، إنما كانت عدتهم أفقر الثياب وأرسخ الإيمان. فلما بلغ مونتسرات طهر روحه بالاعتراف والتكفير ثلاثة أيام، ثم خلع ثيابه الغالية على شحاذ، وارتدى عباءة حاج من قماش خشن. وقضى طوال ليلة ٢٤ - ٢٥ مارس ١٥٢٢ وحيداً في كنيسة صغيرة بدير بندكتي، راكعاً أو واقفاً أمام مذبح العذراء. وأخذ على نفسه العهد بحياة العفة والفقر الدائمين. وفي صباح الغد تناول القربان، وأعطى بغله للرهبان، ثم انطلق إلى أورشليم وهو يعرج على قدمه.