الهالكين، ونسمع صرخات الألم وصيحات اليأس المنبعثة منهم؛ يجب أن نشم الأبخرة المنتنة التي تتصاعد من الكبريت واللحم المحترقين؛ يجب أن نحاول الإحساس بألسنة اللهب تلك وهي تلذع أجسادنا؛ ثم يجب أن نسأل أنفسنا، كيف السبيل إلى النجاة من هذا العذاب الأبدي؟ لا سبيل إلا تضحية الفداء التي قدمها الله نفسه في المسيح على الصليب (١). فلنتأمل إذن حياة المسيح، في كل دقائقها، علينا أن نكون حضوراً بالخيال في تلك الأحداث التي هي أعمق الأحداث في تاريخ العالم. يجب أن نجثو في الخيال أمام الأشخاص المقدسين في تلك الملحمة الإلهية، وأن نلثم هدب أثوابهم. وبعد أن ننفق أسبوعين في مثل هذه التأملات يجب أن نصحب المسيح في كل خطوة من خطوات آلامه، في كل مرحلة من مراحل الصليب؛ نصلي معه في جثسيماني، ونشعر بأننا نجلد معه، ويبصق علينا، ونسمر على الصليب، يجب أن نقاسي كل لحظة من لحظات عذابه، أن نموت معه، وأن نقبر معه. وفي الأسبوع الرابع يجب أن نتخيل أنفسنا وقد قمنا منتصرين من القبر، وصعدنا أخيراً معه إلى السماء. وإذ تشددنا هذه الرؤية المباركة، فستكون على أهبة الانخراط جنوداً مكرسين في المعركة لهزيمة الشيطان وبح النفوس للمسيح، وفي تلك الحرب المقدسة سنحتمل باغتباط كل ما نلقى من شدائد وننفق حياتنا في بهجة وفرح.
ووجدت هذه الدعوة للتعبد الممتد طوال الحياة تسعة طلاب في باريس على استعداد لقبولها. ولعل هؤلاء الشبان الجادين، الذين شعروا لأول مرة بما في العالم من غموض محير، وتاقت نفوسهم لمرساة من الإيمان والأمل وسط خضم من الشكوك والمخاوف-نقول لعلهم دفعوا بثقل المطالب
(١) لاحظ أن لوثر جاز بمثل هذه المخاوف من الجحيم، وبمثل ضروب التقشف التكفيرية هذه، وبمثل هذا التحرر بفضل الإيمان بتضحية المسيح الفادية، الذي كان المحرك لحياة إجناتيوس