للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القراءة والكتابة، نظمت الآن الشعر، وأذنت للشعراء في التردد عليهم. وأصبح سدني، ولو لم يكن ثرياُ، أعظم حماة الأدب في جيله. ومد يد المساعدة إلى كامدن وهاكلوت وناش وهارفي ودون، ودانيل وجونسون، وفوق كل شيء سبنسر الذي أزجى إليه آيات الشكر بوصفه "أمل العلماء جميعهم، وحامي عروس الشعر الصغيرة عندي" (١٩). ولم يكن يتفق مع طبيعة الأشياء أن يكون إهداء كتاب ستيفن جوسون "مدرسة الهجاء" موجهاً إلى سدني (١٥٧٩)، وقد ورد في تقديم هذا الكتاب أنه "هجوم لطيف على الشعراء والزمارين والمغمرين والمهرجين، وأمثالهم من توافه الرجال السلابين في البلاد". وقبل سدني التحدي وكتب أول الروائع الأدبية في عهد إليزابث "دفاع عن الشعر" وإقتداء بأرسطو والنقاد الإيطاليين، عرف سدني الشعر بأنه "فن المحاكاة" فهو يمثل أو يزيف أو يجسد صورة ناطقة. "قصد بها أن تعلم وتدخل البهجة (٢٠) ". وسما بالأخلاق كثيراً فوق الفن، فبرر الفن على أنه معلم الأخلاق عن طريق النماذج المصورة يقول:

"إن الفيلسوف .. والمؤرخ … قد يصلان إلى الهدف، أولهما بالتعليم الأخلاقي، والثاني بضرب المثل، ولكن كلاهما لا يملكهما معاً. ومن ثم يتعثر كلاهما. فإن الفيلسوف، وهو يقرر الحقيقة المجردة للأخلاق، عن طريق الحجج الشائكة، قد يصعب عليه التعبير، ويغلب عليه الغموض فيدق على المرء فهمه إلى حد أن الإنسان الذي لا يتيسر لم مرشد غيره يخوض معه حتى يدركه الهرم قبل أن يجد مبرراً كافياً لأن يكون أميناً. ذلك أن علمه يقوم على التجريد والتعميم، حتى ليكون سعيداً من يستطيع أن يفهمه. أما المؤرخ من جهة أخرى، فإنه، وهو يعوزه القاعدة أو المبدأ الأخلاقي، مرتبط، لا بما يجب أن يكون، بل بما هو كائن … ومن ثم فإن المثل الذي ضربه يستتبع نتائج غير ضرورية، ولذلك يكون نظرية أقل جدوى.

أما الشاعر الفذ فانه يؤدي الاثنين معاً، لأنه يرسم صورة دقيقة لمن يظن أنه قام بما قاله الفيلسوف بوجوب عمله. وهو بذلك يكمل الفكرة العامة بالمثال المحدد. وأقول بأنها صورة كاملة متقنة لأنه لا يقدم إلى قوى العقل صورة لم يقدم عنها