وكان حظ الشاعر من الطباعة أسعد في ألمانيا، حيث لم ينافسه كاتب مسرحي محلي. فإن الكاتب المسرحي الألماني العظيم الأول جوتهلد لسنج، هو الذي أنبأ مواطنيه (١٧٥٩) بأن شكسبير يسمو على كل الشعراء القدامى والمحدثين، وأيده في هذا هردر. ورفع أوجست فون سكلجل ولودفيج تيك وغيرهما من زعماء المدرسة الرومانتيكية راية شكسبير، وأسهم جيته بمناقشة حماسية عن هملت في "قاعة ولهلم"(١٧٩٦)(١٠٦). وأصبح شكسبير معروفاً محبوباً على المسرح الألماني، وانتزع العلماء الألمان من إنجلترا مقام الصدارة، في دراسة حياة شكسبير ورواياته وتوضيحاته.
ويتعذر التقدير الموضوعي أو المقارنة الموضوعية على هؤلاء الذين شبوا وترعرعوا وهم ينشقون عبير شكسبير. فان الذي يعرف لغة الإغريق على عهد بريكليز وعقيدتهم وفنهم وفلسفتهم، هو وحده الذي يحس بالمسرحية المأساوية الديونيسية وسموها الذي لا مثيل له، وبساطتها الواضحة، وبالمنطق القوي في بنيانها، وبضبط النفس الباعث على الفخر في القول والفعل، وبالشرح الذي يهز النفوس في ترانيم مجموعة المغنين فيها، وبالمغامرة النبيلة في مشاهدة الإنسان من زاوية مكانه وقدره في الكون. كما إن الذي يعرف اللغة الفرنسية والخلق الفرنسي، وخلفية "القرن الأعظم"(السابع عشر) يمكنه وحده أيحس، في روايات كورني وراسين-لا مجرد عظمة الشعر وموسيقاه فحسب-بل يحس كذلك بالجهد البطولي للعقل في إثارة العاطفة وبعث الانفعال، والتمسك الحكيم الرزين بالمعايير الكلاسيكية العسيرة، وتركيز المسرحية في بضع ساعات تشد فيها الأعصاب، لتلخيص حياة الإنسان والفصل فيها، كذلك فان الذي يعرف اللغة الإنجليزية، في كمالها أيام إليزابث، ويتعمق ويجد لذة واستمتاعاً في البلاغة والأغاني والتراشق في عهد إليزابث، ولا يغل المسرح عن أن يعكس صورة الطبيعة ويحرر الخيال، نقول إن هذا وحده هو