وفي نفس الوقت كانت دراسة المغناطيسية الأرضية تمهد الطريق أمام نيوتن. فان جورج هارتمان، وهو من رجال الدين الألمان (١٥٤٤) وروبرت نورمان، وهو إنجليزي يشتغل بصنع البوصلة (١٥٧٦)، اكتشفا، كل منهما بمفرده بعيداً عن الآخر، انحراف الإبرة المغناطيسية، حين تكون معلقة تعليقاً حراً من مركز ثقلها، وميلها إلى الانحراف عن الوضع الأفقي إلى وضع يصنع زاوية مع سطح الأرض. وذهب نورمان في كتابه "الجديد الجذاب" إلى القول (١٥٨١). بأن "عامل الجذب" الذي تنحرف إليه الإبرة يقع في الأرض نفسها (١٣).
وجاء بعد هذه الطليعة الباهرة، وليم جلبرت، طبيب إليزابث. وبعد سبعة عشر عاماً من البحث والتجربة-التي اعتمد في تمويلها على ثروته الموروثة، كما عاونته الملكة أحياناً-نشر النتائج التي توصل إليها في أول مؤلف إنجليزي كبير للعلوم:"في المغناطيس … والمغناطيس الأعظم وهو الأرض"(١٦٠٠). لقد وضع إبرة بوصلة محورية، على التعاقب: في نقطة مختلفة، على حجر مغناطيس كروي. وسجل بخطوط على الكرة الاتجاهات التي اتجهت إليها الإبرة على التوالي، ومد كل خط ليشكل دائرة كبيرة حول الحجر، ووجد أن كل هذه الدوائر قطعت الكرة في نقطتين متقابلتين تماماً، وكان هذان هما القطبان المغناطيسيان اللذان اعتبرهما جلبرت خطأ، في حالة الأرض، القطبين الجغرافيين. ووصف الأرض بأنها مغناطيس ضخم، وفسر، بناء على ذلك الإبرة المغناطيسية، وأظهر أن أي قضيب حديدي يترك لمدة طويلة في وضع شمالي جنوبي لا بد أن يصبح ممغطساً. والمغناطيس الذي يوضع على أي من قطبي حجر المغناطيس الكروي، يأخذ وضعاً عمودياً على الكرة. وإذا وضع في أية نقطة متوسطة بين القطبين (وهي النقط التي تكون خط الاستواء المغناطيسي) يأخذ وضعاً أفقياً. وانتهى جلبرت إلى أن انحراف الإبرة يكون أعظم، كلما وضعت أقرب إلى القطبين الجغرافيين للأرض. وعلى الرغم من أن هذا لم يكن صحيحاً تماماً، فقد أكده تقريباً هنري هدسن في ارتياده