للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سادساً: يمكن أن يشرع في تفسير تلك الفلسفة التي تعقبها في مختلف العلوم على هذا النحو، ومن ثم يجب إيضاحها وإثبات صحتها. "أن إكمال الجزء الأخير … فوق طاقتي وأكثر مما أصبو إليه". ويبدو لنا، نحن الذين نتخبط ونلهث اليوم في خضم المعرفة والتخصصات، أن برنامج بيكون عقيم أشد العقم. ولكن المعرفة لم تكن آنئذ بمثل هذه السعة والدقة، وأن روعة الأجزاء التي أنجزت لتغفر جراءة الكل. وعندما أفضى بيكون إلى سيسل بقوله "أني ضممت كل المعرفة إلى نطاق ولايتي"، فإنه لم يقصد أنه في مقدوره أن يستوعب كل العلوم تفصيلاً، ولكنه قصد أن يستعرض العلوم، وكأنما يمسحها أو يلقي عليها نظرة عامة "من عل"، بغرض تنسيقها وتشجيعها. وقال وليم هارفي عن بيكون إنه "كتب الفلسفة، على نهج قاضي القضاة في الكتابة (٣٨) "، بل وخططها كما يخطط القائد الإمبراطوري معركة.

وانا لندرك اتساع مجال العقل وحدة الذهن عند بيكون إذا نحن تتبعناه في كتاب "النهوض بالمعرفة"، إنه يعرض أفكاره في تواضع غير مألوف، على أنها "ليست أفضل كثيراً من الصوت … الذي يحدثه الموسيقيون حين يضبطون آلاتهم (٣٩) ". ولكنه يعزف هنا كل نغماته المميزة، إنه يدعو إلى مضاعفة عدد الكليات والمكتبات والمعامل وحدائق الأحياء والمتاحف العلمية والصناعية، وتدعيمها جميعاً، كما يدعو إلى تحسين رواتب المعمين والباحثين، وتخصيص اعتمادات أكبر لتمويل التجارب العلمية، وإلى اتصال متبادل وتعاون أوثق وخطة أفضل لتوزيع العمل بين جامعات أوربا (٤٠). أنه، في تقديسه أو عبادته للعلم، لم يفقد رؤيته الصحيحة للأشياء أو وجهة النظر السليمة، فهو يدعو إلى تعليم عام متحرر، يشمل الدب والفلسفة، لأنه يهيئ للوصول إلى حكم سليم على الغايات التي تقترن بتحسين الوسائل على أساس علمي (٤١). وهو يحاول أن يصنف العلوم في ترتيب منطقي، ويحدد مجالاتها وحدودها ويوجه كلاً منها إلى أمهات المسائل التي تنتظر الفحص والحل وتحقق كثيراً عن طريق العلوم-تسجيل أفضل التطورات المرض عند المريض، إطالة الحياة باستعمال الأدوية الواقية، الفحص الدقيق "للظواهر النفسية"، والنهوض بعلم