النفس الاجتماعي. حتى لقد استبق دراستنا المعاصرة في وسائل النجاح (٤٣).
أما القسم الثاني والأكثر جراءة من "التجديد الكبير" فكان محاولة لصياغة منهج للعلم. لقد عرف أرسطو الاستقراء، ودعا إليه أحياناً، ولكن الأسلوب الغالب في منطقته هو الاستنباط، والمثل الأعلى فيه هو القياس. وأحس بيكون بأن المنهج القديم Organon قد أبقى العلم راكداً، بتوكيده على الفكر النظري أكثر منه على الملاحظة الواقعية. أما "المنهج الجديد" فقد عرض فيه بيكون نظاماً وأسلوباً جديدين للفكر-الدراسة الاستقرائية للطبيعة ذاتها، عن طريق الخبرة والتجربة. وهذا الكتاب أيضاً، ولو أن بيكون تركه دون أن يكمله، وعلى الرغم من كل عيوبه، هو أروع إنتاج في الفلسفة الإنجليزية، وأول دعوة صريحة واضحة إلى عصر العقل. ولقد كتب باللاتينية، ولكن في عبارات مشرقة بليغة، جرى نصفها مجرى الحكم وجوامع الكلم. إن السطور الأولى جمعت أطراف فلسفة … تعلن الثورة الاستقرائية، وتؤذن أو تنذر بالثورة الصناعية، وتضع مفتاح التجريبية في يد هوبز ولوك ومل وسبنسر.
إن الإنسان بوصفه خادم الطبيعة ومفسرها، يمكن أن يعمل ويفهم الكثير، والكثير حقاً من مجرى الطبيعة، ما دام قد لاحظ الطبيعة واقعياً، أو بفكره … أما ما وراء هذا فهو لا يستطيع أن يدرك شيئاً أو يعمل شيئاً. إن المعرفة الإنسانية والقدرة البشرية تلتقيان في الإنسان الواحد، وحيثما لا يعرف مجرى الطبيعة، لا يمكن إنتاج الأثر المطلوب. ولكي تسيطر على الطبيعة. ينبغي أن تمتثل لها (١).
وكما أقترح ديكارت بعد ذلك بسبعة عشر عاماً، في "بحث عن النهج"؛ أن يبدأ الفلسفة بالشك في كل شيء، فأن بيكون هنا يتطلب تنقية الفكر "كخطوة أولى في التجديد". ذلك أن "المعرفة الإنسانية كما نعهدها في أنفسنا، أن هي إلا خليط وأكداس
(١) العبارة المشهورة "المعرفة قوة" لا ترد بهذه الصيغة في مؤلفات بيكون الموجودة الآن. ولكن في نبذة من "التأملات المقدسة" كتب يقول "المعرفة نفسها قوة" (٤٣) والفكرة، بطبيعة الحال، سائدة في كل كتابات بيكون.