التواق إلى وريث كان يتزوج للمرة الثالثة، ولم يكن ليعير الشعراء أذنه، ولم يدع تاسو إلى الحفلات. وظل أسبوعين يحتمل هذا الإغفال مغيظاً محنقاً، وأخيراً غادر مسكن الكردينال (١٢ مارس ١٥٧٩)، واقتحم قصر بونتيفولي وهو يصيح مهاجما الدوق، والدوقة الجديدة، وجميع الحاشية. وجرى إلى القلعة، مصرا على لقاء الدوقة واستعادة مخطوطاته. وأمر الدوق بايداعه مستشفى قريبا لمرضى العقول يدعى سانتانا، وهناك ظل حبيسا أكثر من سبع سنين.
لم يكن مجنونا جنوناً مطبقاً. فقد كانت له أويقات صفاء كتب فيها الشعر واستقبل الأصدقاء. وزعم مونتيني أنه زاره. ووفدت عليه سيدات من البلاط ليطيب خاطره، واصطحبته لوكريتسيا مرة لبيتها في بلفديري، ولكن عنفه روعها فرد إلى المستشفى بناء على طلبها. لقد كان العقل المحطم نهبا لرعب كتقطع تثيره هلوسات بأصوات أشباح يسمعها، وبأرواح علوية تغزو حجرته وتسطو على قصائده.
وأخيرا نشرت ملحمته. ذلك أن المحتفظين بمخطوطاتها أرسلوها للناشرين بعد أن علموا أن قراصنة الكتب نسخوها (١٥٨٠). وظل النقاد يتسقطون الأخطاء فيها، ولكن إيطاليا استقبلتها استقبالا حماسيا، وأطرى رجال الكنيسة موضوعها وتقواها. وتتابعت طبعات القصيدة، وبيع منها في يوم واحد ألفا نسخة، ورددت البيوت والقصور أنغامها، واختلف الناس في أمر تاسو، أيضعونه في صف أريوستو أم في صنف بترارك. وفضل فولتير القصيدة على الالياذة وهو على ما نعلم من بعد عن التحيز للمسيحية (٨٠). أما اليزابث ملكة إنجلترا فبعد أن استمعت إلى أجزاء منها مترجمة إلى اللاتينية حسدت دوق فيرارا على أنه عثر على هوميروس يخلد ذكره (٨١).
ونستطيع إذا همزنا حاستنا التاريخية أن نبدأ في فهم السبب في استجابة أوربا بهذه الحماسة لهذه القصة المثيرة- قصة الحرب الصليبية الأولى.