لقد رحبت بها باعتبارها ملحمة العالم المسيحي التي طال انتظارها ومست الحاجة إليه. ذلك أنه حين بدأ تاسو قصيدته كانت أوربا تحشد الأسطول الذي التحم بالأتراك في ليبانتو. ودارت رحى المعركة الهائلة بينما الشاعر ينظم ملحمته، وكسب الأوربيون المعركة، ولكن انتعاش الأتراك السريع كان يهدد أوربا، لا سيما إيطاليا، وتعرضت روما، معقل المسيحية، للخطر والقصيدة تكتمل. وساد الخوف من الاسلام أرجاء العالم المسيحي إذ ذاك، كخوف أوربا اليوم من شرق نفخت فيه الحياة من جديد. وفي هذا الجو قرأ الرجال والنساء في شعر يأخذ بالألباب قصة تشدد عزائمهم إذ تحكى كيف قاد جودفري أمير بويون في ١٠٩٩ جيشاً مسيحياً ظافراً برغم ما لحقه من ضربات واستولى به على أورشليم.
وهكذا يبدأ تاسو قصيدته متفاخرا، ذاكرا عبارة فيرجل» Arma virumque cano« ومتحدياً إياها، «أني اتغنى بذكر الجيوش الصالحة والقائد الذي حرر قبر المسيح العظيم». وهو يناشد ربة الشعر أن تلهب صدره بحماسة من السماء، ويهدي قصيدته إلى الفونسو، الأمير الهمام الذي أنقذه من زعزع الخطر وهيأ له مرفأ طيبا. ويرسل الله رئيس ملائكته جبريل ليأمر جودفري بأن يحزم أمره ويزحف قدما على أورشليم. وحين يدنو المسيحيون من المدينة يأمر حاكمها التركي علاء الدين رجاله بأن ينقلوا تمثالا للعذراء من كنيسة مسيحية إلى جامع للمسلمين، مؤمنا بأن التمثال سيجلب النصر لمالكه. على أن التمثال يسترد فيخفيه للمسيحيون، ويأمر علاء الدين بذبح كل من بقي بأورشليم من المسيحيين. وتقدم العذراء سوفرونيا نفسها قرباناً عن شعبها، وتخبر علاء الدين كذباً أنها سرقت التمثال وأحرقته، فيحكم بحرقها. على أن حبيبها الذي لا تبادله الحب، أوليندو، يحاول افتداءها ويزعم انه المذنب، فيحكم عليهما جميعاً بالموت، ولكن البطلة المسلمة كلوريندا تنقذهما. ويدعو بلوتو رب العالم السفلي مجمعاً من أتباعه للنظر في طرق هزيمة المسيحيين الذين يحاصرون المدينة،