للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خوان باوتستا وخوان دي هيرايرا بأن يشيدا له على سبعة وعشرين ميلاً شمال غرب مدريد مجمعاً من العمائر يحوي قصراً ملكياً، ومركزاً إدارياً، وكلية ومدرسة لاهوتية، وديراً، وكنيسة، وضريحاً - ولا غرو فقد أصبح فيليب الآن متديناً على قدر ما تسمح به مقتضيات السياسة. ففي معركة سانت كوينتين هدمت مدافعه مكرسة للقديس لورنس، وتكفيراً على هذا الانتهاك لمقدسات وعرفاناً بالجميل على انتصاره، كان نذر أن يقيم للقديس ضريحاً في أسبانيا. وهكذا سمى مجمع العمائر الشاسع هذا السيتيوريال دي سان لورينزو «- أي المقر الملكي للقديس لورنس، ولكن الزمن سماه الإسكوريال، نسبة لمدينة قريبة، اشتقت هي نفسها اسمها من لفظ «سكوريا» ومعناه خبث مناجم الحديد المحلية (١٠). وكان الاعتقاد أن القديس لورنس قد أحرق حتى الموت على مشواة من حديد، لذلك صمم خوان باوتستا خطة الارض على هيئة مشواة تقطعها الصالات من جنب إلى جنب، قاسمة الفراغ إلى ستة عشر فناء.

ويعجب المرء وهو يركب السيارة من مدريد إلى هذا المكان كيف استطاع فيليب، في عصر لم يتح له من وسائل الانتقال ما هو أسرع من ظهور الخيل، أن يحكم ملكه العالمي من مثل هذا الحرم الذي يتوه وسط تلال كئيبة؛ ولكن مدريد كانت أكثر منه بعدا عن العالم. وقد هجر هذا المجمع العظيم اليومٍ إلا من الرهبان وخدماتهم، ولكنه كان أيام عزه، بواجهته المبنية بطرز النهضة والبالغ طولها ٧٤٤ قدما، وبقلاعه وأبراجه، وبقية كنيسته الضخمة، رمزا رهيبا للسطوة الأسبانية التي تبلت بالتقوى والفن. هنا كان يحكم نصف العالم المسيحي، ووحد الدين والحكومة في متاهة واحدة من السياسة والحجر، وهنا كان في استطاعة الملك أن يعيش كما يشتهي، لا بين حاشيته، بل بين القساوسة والرهبان والرفات المقدسة، ويسمع مرات كل يوم الأجراس المعلنة للقداس. هان كان البانتيون مزمعا أن يتلقى رفات ملوك أسبانيا وملكاتها، والمكتبة أن تصبح من أغنى المكتبات في أوربا، ومتحف الصور أن