حين لا يرقبه العالم، تحليه كل آداب السلوك الأسبانية، ولكنه يرتبك حياء ويجمد في المناسبات الرسمية، رشيق الجسم إلى أن أعجزه النقرس. لولعه بالفطير والحلوى. وكان منذ شبابه مستهدفا للمرض، وإذ كان قد أدرك السبعين كاملة فإنما الفضل في ذلك لتصميمه العنيد على اتمام واجباته. وقد اتخذ الحكم واجباً مقدساً، وراح يكد فيه يوماً بعد يوم طوال خمسين عاما. ويبدو أنه آمن حقاً بأن الله اختاره لوقف المد البروتستنتي، ومن هنا ما عرف عنه من عناد شديد وقسوة على مضض، «ولم يكن بطبيعته يؤثر الطرق العنيفة (١٦)». ولم ينس قط صنيعاً (اللهم إلا حالة أجمونت). ولا نسي اساءة. كان المنتقم أحياناً، الشهم الصفوح غالباً. وزع الصدقات بسخاء يمليه الضمير (١٧). كان في عصر فاسد غير قابل للافساد، وما كان لرشوة أو هدية أن تثنيه عن الاضطهادات التي دفعه إليها تدينه.
أما في أخلاقيات السياسة فكان شبيها كل الشبه بمعاصريه - يكره الحرب، ولم يبدأ حربا قط، واحتمل من إهانات إنجلترا جيلاً كاملاً تقريباً قبل أن يجرد عليها الارمادا. كان قادراً، بل أقدر من معظم الحكام، على الخداع المتخفي وراء التقوى، والظاهر أنه شارك في مؤامرة لقتل اليزابث حي أعيته لانقاذ ماري ستيوارت (١٨). وكان حكمه لأسبانيا أوتوقراطيا ولكنه عادل، «يهتم الاهتمام الشديد برعاياه، ويصلح أي مظالم اجتماعية يجد الوقت لاكتشافها (١٩)».
أما خلقه الشخصي فيفضل خلق أكثر ملوك القرن السادس عشر. كان في شبابه ببروكسل، إذا صدقنا اعداءه، «شديد الاباحية» و «لهوه المفضل أن يخرج ليلا متخفيا ليمارس شتى الشهوات المبتذلة في المواطن المألوفة للرذيلة (٢٠)»؛ وبعد سنوات اتهم وليم أورنج، وهو يقود ثورة الأراضي المنخفضة، ناسك السكوريال هذا بأنه قتل ابنه ودس السم لزوجته الثالثة (٢١)، ولكن رجلا ساخطا مثل وليم لا يعتمد