عليه في كتابة التاريخ. على أن مؤرخا لا يتطرق الشك إلى عظمته وجرأته، وهو ماريانا اليسوعي الاسباني، يصدر عليه حكما عدائيا كهذا، فبينما هو يشيد بـ «سماحة فيليب وعزيمته ويقظته وزهده في الطعام والشراب» يتهمه بـ «الشهوانية، والقسوة، والكبر والغدر، وعدة رذائل اخرى»(٢٢) ولكننا نجد مؤرخا هولنديا محدثا يخلص إلى أن «فيليب الثاني لا يمكن اتهامه بالفجور و .. والخلاعة والفساد، فهو على قدر علمنا عاش بعد عودته إلى أسبانيا حياة فاضلة إلى حد الصرامة (٢٣) زوجا وفيا شديد الاهتمام بأبنائه. وحين مرضت زوجته الثالثة اليزابيث قالوا بالجدري (وكان يومها فتاكا أغلب الأحيان) ظل ملازما لها لا يبرحها إلا نادرا مع أن وزراءه ألحوا عليه في ألا يعرض نفسه لخطر العدوى. وبعد موت اليزابث عقد فليب زواجا دبلوماسيا آخر (١٥٧٠) بأميرة نمساوية من أميراتها العديدات المسميات «آن»، وماتت آن هذه عام ١٥٨٠ وبعدها كرس عواطفه العائلية الحميمة لبناته. ورسائله لهن رسائل إنسانية فيها دعاية ومحبة (٢٤). واصبحت اليزابث كلارا رفيقه الحميم وعزاءه الكبير وسط هموم الشيخوخة وهزائمها. وقد وصفها في وصيته بأنها نور عينيه. أما ابناؤه فلم يجد فيهم أي عزاء.
وتضافرت الأسطورة والأدب (١) والشفقة الانسانية لتجعل من ابن فليب الأكبر رجلا أشهر من أبيه. كان كارلوس ضعيف البنية، مستهدفا للحمى المتقطعة؛ والاكتئاب، ونوبات الغضب والكبرياء. كان سخيا في إسراف، شجاعا في شراسة، كان يضحك جده، الذي كان بالأمس شارل الخامس العظيم بلومه إياه على أنه فر من موريس أمير سكسونيا في إنربروك (١٥٥٢) - «لو كنت مكانك لما
(١) اتخذ هؤلاء الكتاب الدون كاروس موضوعا لمسرحياتهم: شيلز، والفييري، وأوتواي، وماري جوزف دشيينه، وخوان بيريز دمونتالفين … الخ.