مادجوري»، وهزأ تيوفيلو فولنجو وغيره من شعراء التخليط بين اللاتينية واللغة القومية بالفرسان، وسخر أريوستو في أورلندو فوريوزو» من أبطاله الرجال والنساء. على أن سرفانتس لا يرفض روايات الفروسية جملة، فهو ينقذ من النار بعضها، ومثل «روايته «غلاطية» ن وهو يدخل في قصته بعض مغامرات الفروسية. ونرى في نهاية القصة أن هذا الدون الفارس، بعد عشرات الهزائم والضربات المخزية، وهو بطل القصة الخفي.
وبصوره سرفانتس سيدا ريفيا خصب الخيال، أذهلته القصص التي جمعها في مكتبته، فدجج نفسه بالسلاح من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وارتدى سترة الفارس وخرج على فرسه روزاننتي ليذود عن حياض المظلومين ويصلح الفساد ويحمي العذارى والأطفال. أنه يمقت الظلم ويحلم بماض ذهبي يوم لم يكن هناك ذهب، «يوم كانت هاتان الكلمتان القتالتان «مالي» فوارق مجهولة، كل الأشياء كانت مشتركة في ذلك العصر المقدس … كله كان تآلفا واتحادا، كله كان حبا وصدقة في الدنيا» (٢٢). وجريا على قواعد الفروسية ثراء يكرس سلاحه، لا بل حياته، لسيدة نبيلة تدعى دولتسينيا ديل توبوزو. ومع أن عينه لم تقع عليها قط، فقد كان في وسعه ان يتصورها تجسيداً كاملاً للطهارة المحتشمة والجمال الرقيق. «نحرها مرمر، وثدياها رخام، ويداها عاج. والثلج ينكسف بياضه إذا دنا من صدرها»(٢٣) أما وقد ملأه هذا الرخام صلابة، وبعث فيه هذا الثلج دفئا، فهو ينطلق ليهاجم عالما حفل بالشرور. وهو في هذه المعركة غير المتكافئة لا يشعر بأن أعداءه أعز منه نفرا «فأنا وحدي أعدل مائة منهم» وبينما يلازم سرفانتس ذلك «الفارس ذا الوجه البائس» متنقلا بين الفنادق الصغيرة وطواحين الهواء، بين المصارف والقذرة والخنازير المذعورة، تنتهي به الصحبة إلى حبه قديساً كما يحبه مجنوناً، وفي كل هذه المغامرات الفاشلة والكبوات الأليمة يظل الدون المثال الحي للأدب