والعطف والسماحة. وأخيرا يتغير المجذوب على يد خالقه، فيصبح فيلسوفا يتحدث-حتى وهو يتردى في الوحل-حديثا عاقلا سويا، ويغفر الإساءات للدنيا التي عجز عن فهمها، ثم يغيظنا من سرفانتس أنه يواصل خبطه وتحطيمه التزاما بخطته المرسومة. ثم نعطف على الفارس الذي ينقشع الوهم عن عينيه حين يؤكد له سانشو إن الدولتسنيا ديل توبوزو الوحيدة التي تعرفها بلدتها ليست سوى «خادمة متمنطقة»، هي صبية بدينة، مفتولة العضل، مسترجلة، من أصل متواضع. ويجيب الفارس بحكمة ذهبية، فيقول لسانشو، «إن الأصل يشرف بالفضيلة، إنما أصل الفتى ما قد حصل»(٢٥).
والشيء الذي يفتقر إليه الدون هو روح الفكاهة، وهو خير جوانب الفلسفة. ومن ثم يعطيه سرفانتس تابعا مرافقا أصله عامل من عمال المدينة الأقوياء، وابن من أبناء الريف، هو سانشوبانزا، ويؤمن الفارس خدماته بأن يعده بالطعام والشراب، ويحكم ولاية في الممالك التي يزمعان فتحها. فأما سانشو فرجل ذو إدراك بسيط وشهية طيبة، يظل محتفظا بسمنته إلى آخر صفحة في القصة برغم إشرافه دائما على الموت جوعا، إنسان كريم النفس يحب بغلته كأنها «نفسه الثانية» ويقدر «عشرتها الحلوة»، أن ليس الفلاح الأسباني النموذجي، فهو سخي في النكتة زاهد في الوقار، إنما هو-كأي اسباني تحرر من سعار اللاهوت-طيب القلب محب للخير، حكيم دون ثقافة او تعليم، وفيّ لسيده في دنيا العذاب هذه وسرعان ما ينتهي إلى أن الدون رجل مجنون، ولكنه هو أيضاً ينتهي إلى أن يحبه، يقول في ختام القصة «لقد لازمت مولاي الطيب وصاحبته هذه الشهور الطوال، والآن اصبحنا نحن الاثنين واحداً»(٢٦)، وهذا حق، لأنهما ليسا سوى جانبين لإنسانية واحدة. أما الفارس فينتهي هو أيضاً إلى احترام حكمة تابعة لأنها اعمق جذورا إن لم تكن نبيلة كحكمته. ويعبر سانشو عن فلسفته بأمثال يقفو بعضها بعضا حتى لتكاد تخنق تفكيره: «إن الدجاجة