والمرأة تضيعان إذا سرحتا، «بين قول المرأة نعم وقولها لا، لا أوافق على أن اضع سن دبوس، فالواحد منهما قريب جداً من الآخر»، إن الطبيب يبذل نصيحته بجسه نبض جيبك»، «كل إنسان كما صنعه الله، وكثيرا ما يكون أسوأ»(٢٧) ولعل سرفانتس استعمل مجموعة مختارة من هذه الأمثال التي عرفها بأنها «عبارات قصيرة صيغت من خبرة طويلة»(٢٨) ويعتذر سانشو عن هذا «الاسهال» في الحكم بأن هذه المأثورات تسد حلقه ولا بد أن تنطلق، بترتيب ورودها على خاطره. ويستسلم الدون لهذا الفيض الدافق فيقول «حقا، يبدو انك لست أعقل مني … أشهد انك انسان مختلط العقل، إنني اصفح عنك، وقد فعلت»(٢٩).
كان للتوفيق الذي أصابته «دون كيخوته» الفضل في ظفر سرفانتس براعيين لأدبه، الكونت ليموس وكردينال طليطلة، أجريا عليه معاشا صغيرا يسر له أن يعول زوجته، وابنته غير الشرعية، وأخته الأرملة، وابنة أخته. وبعد شهور من نشر كتابه قبض عليه هو وكل أفراد أسرته لشبهة اشتراكهم في مقتل جاسباردي ازبليتا على باب بيت سرفانتس. وأرجفت الشائعات بأن جاسبار كان يعشق ابنته، ولكن التحقيق لم يسفر عن شئ، فأفرج عنهم جميعا.
ومضى سرفانتس يكتب الجزء الثاني من «دون كخوته» في غير عجلة. وفي عام ١٦١٣ قطع هذا الجهد المحبب بنشر اثنتي عشرة قصة «مثالية جديدة» جاء في مقدمتها «لقد وصفت هذه القصص بأنها مثالية، ولو تأملها القارئ لما وجد فيها قصة لا تعطيه مثالا نافعا»(٣٠). وأولهما قصة عصابة من اللصوص تعمل في انسجام مثالي مع رئيس شرطة اشبيلية، وقصة أخرى اسمها «ندوة الكلاب» تصف سلوك تلك المدينة واخلاقها. وفي التمهيد للمجموعة صور سرفانتس نفسه بهذه العبارات:
إن الرجل الذي ترونه هنا بمحياه النسري، وشعره الكستنائي، وجبينه الهادئ الطلق، وعينيه اللامعتين، وأنفه المعقوف المتناسب، ولحيته