الفضية التي كانت ذهبية منذ أقل من عشرين عاما، وشاربه الكبير … واسنانه التي لا تستحق الاحصاء، وقامته الريعة؛ وكتفيه طفيفي الانحناء، وبنيته الثقيلة بعض الشىء … أجيز لنفسي أن أقول لكم إنه مؤلف «غلاطية» و «دون كخوته دلا مانشا») ٣١).
ولكنه فوجئ عام ١٦١٤ بظهور الجزء الثاني من «دون كخوته»، لا بقلمه، بل بقلم سارق مجهول انتحل اسم «أفيللانيدا». وقد هزأت المقدمة من جراح سرفانتس، وطربت للحيلة المتقنة التي ستقضي على جزء سرفانتس الثاني. وعجل الكاتب المنزعج بانجاز كتابه ونشره عام ١٦١٥، وابتهج القراء الأسبان حين وجدوا هذه التتمة ترقي إلى مستوى الجزء الأول خيالا وقوة ومرحا، ففي كل هذه الصفحات الخمسمائة الجديدة احتفظ الكاتب بتشويقه للقارئ حتى النهائية، وهي نهاية حزينة ان لم تكن أليمة، وبدا للبعض أن حظ الدون وتابعه العاثر في بلاط الدوق، وملك شانسو على ولايته، والقصة المؤلمة التي روى فيها كيف ضرب عجزه- كل هذا من شأنه أن يجعل الجزء الثاني هو النصف الأفضل. فحين يولي سانشو حاكما على باراتاريا يتوقع الكل منه أن يتجاوز كل ما اثر عن الحكام من حماقات. ولكنا نجد على النقيض من ذلك أن طيبته وفطنته، وأن نظمه واصلاحاته البسيطة العادلة؛ وأن قراره الحكيم في دعوى هتك العرض (٣٢) -كل هذا يخجل واقع الحكم المعاصر له. ولكن قوي البشر الذي لا يعرف رحمة ولا هوادة تطغى عليه؛ وأخيرا ترهقه ارهاقاً يكرهه على التخلي عن منصبه والعودة مرتاحاً إلى حياته تابعا للدون.
ولا يبقى بعد ذلك إلا أن يهرب الفارس مثل هذا الهرب من دنيا الأحلام إلى دنيا الواقع. إنه يخرج في طلب المغامرات الجديدة، ولكنه يهزم هزيمة عارمة؛ ينتزع المنتصر فيها تعهدا منه بأن يمضي إلى داره ويعيش سنة في هدوء لا شأن به بالفروسية. ويوافق المحارب المتعب، ولكن تبدد أوهامه يجفف ينابيع حياته. فيرسل في طلب أصدقائه إلى جواره، ويوزع