للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"المقالات"، بعد عام ٥٧٠ (١). والأسلوب هو الرجل، طبيعياً، حميماً، وثيقاً، وإنها لراحة أن يتحدث إلينا أحد أئمة الفكر بهذه الألفة. أفتح أي صفحة في مقالاته، تجده يمسك بذراعك ويسوقك معه دون أن تعرف، وقلما يهمك، إلى أين يمضي بك. كان يكتب جزءاً فجزءاً، في أي موضوع يخطر بباله أو يوافق مزاجه؛ ويستطرد في فوضى بعيداً عن الموضوع الاصلي أثناء تجواله، فترى مقاله "عن المركبات " مثلا ينطلق مخترقاً روما القديمة وأمريكا الجديدة. وفي المجلدات الثلاثة ثلاثة تتألف من استطرادات. لقد كان مونتيني كسولاً، وما من شيء أشق من خلق النظام وحفظه من الأفكار أو الرجال. وقد أعترف بأنه "متموج متنوع " ولم يقدس الثبات على الآراء؛ فكان يغير آراءه كلما تقدم به العمر، وإنما الصورة المركبة النهائية هي مونتيني.

ووسط تدفق أفكاره المضطرب تجد أسلوباً واضحاً كأنه البساطة بعينها. ومع ذلك تراه يتألق باستعارات عجيبة كاستعارات شكسبير، وبنوادر منيرة تحول المجرد فور الواقع. ويختطف فضوله الفاحص هذه الأمثلة أينما وجدها دون اكتراث لأي معوق خلقي. وهو يسلمنا في عناية ملاحظة


(١) اشتملت الطبعة الأولى، ١٥٨٠، على الكتابين الأول والثاني، ووسعت الثانية الكتابين، ١٥٨٨، وزادت كتاباًً ثالثاً، أما الطبعة الثالثة المحتوية على تنقيحه النهائي والتي نشرتها الآنسة دجورنيه فقد ظهرت عام ١٥٩٥ بعد موته، وظهور تسع طبعات بين عامي ١٥٨٠ و ١٥١٨ شاهد على شعبيتها.