تلك المرأة التولوزية التي شكرت الله بعد أن غشيها عدة جنود "لأنني مرة في حياتي ملأت بطني دون أن آثم (٥٢).
د- الفيلسوف
إنه يزعم أن لديه موضوعاً واحداً- هو نفسه. "إني أنظر داخل نفسي، ليس لي شأن إلا مع نفسي، فأنا لا أكف عن النظر في أمر نفسي … وتذوقها (٥٣)". وهو يعمد إلى دراسة الطبيعة البشرية مباشرة، عن طريق دوافعه، وعاداته، ومحابه، ومكارهه، وأسقامه، ومشاعره، وأهوائه، ومخاوفه، وأفكاره. إنه لا يقدم لنا ترجمة ذاتية، فهو لا يكاد يذكر في المقالات شيئاً عن اشتغاله مستشاراً أو عمدة، ولا عن أسفاره في زياراته للبلاط، وهو لا يكشف عن دينه أو مذهبه السياسي، بل يعطينا شيئا أثمن- ذلك التحليل الصريح النفاذ لجسمه وعقله وخلقه. وهو يبسط أخطاءه ورذائله واسهاب. وتحقيقاً لهدفه يستأذن في أن يتكلم بحرية، فهو عامد إلى انتهاك أصول الذوق السليم ليعرض علينا إنساناً عاري الجسد والروح. تراه يتحدث في صراحة صاخبة عن وظائفه الطبيعية، ويستشهد بالقديس أوغسطين وفيف في موضوع التطبل اللحني (امتلاء البطن بالغازات)، ويطيل التأمل في الجماع:
"كل منا يجتنب رؤية إنسان يولد، ولكن الجميع يهرعون لرؤيته يموت. فلهدمه نلتمس مكاناً ونوراً قوياً، ولكنّا لبنائه نختبئ في ركن مظلم ونعمل في تكتم ما استطعنا (٥٤)".
وحتى مع هذه الصراحة يزعم أنه مارس شيئا من التحفظ. "إني أقول الحق، لا كما أشتهي، بل على قدر ما أجرؤ (٥٥)".
وهو يقول لنا الكثير عن نفسه الجسدية، ويرعى صحته من صفحة إلى صفحة. فالصحة هي الخير الاعظم "والشهرة والمجد يشتريهما رجل في مثل مزاجي بثمن غال، باسم الله (٥٦) "، وهو يسجل تقلبات أمعائه في